للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المعنى]

على الإعراب الثاني (١):

أولئك الجن والملائكة الذين يدعوهم هؤلاء المشركون أرباباً قد أسلموا؛ فصاروا من عباد الله المؤمنين، يطلبون أسباب الزلفة والقرب عند ربهم، ينظرون من هو الذي يكون منهم أقرب مكانة باجتهاده وصالح عمله.

وعلى الإعراب الأول (٢):

يطلب الذي هو أقرب منهم أسباب الزلفة عند الله، فأحرى وأولى غيره.

ويرجون بأعمالهم الصالحة رحمته، ويخافون بمخالفتهم عذابه. إن عذاب ربك كان من حقه وشأنه أن يتقى ويحذر، لما فيه من عظيم الخزي وشديد الألم.

[الأحكام]

أفادت الآية أن العبادة لا تنفع صاحبها إلاّ إذا كانت على الوجه الحق، وإلاّ فإنه لا يحصل منها إلاّ على الخيبة والوبال.

وأن المكلف لا يحمل شيئاً من إثم عمل غيره إذا لم يكن راضياً به، ولو كان ذلك العمل متسبباً عنه إذا لم يكن متسببا هو فيه.

وأن المكلف مطالب بأن يطلب أسباب القرب إلى الله بجدّ واجتهاد.

وأن يكون جامعاً بين الرجاء والخوف في سلوكه.

[التطبيق]

نعرف كثيراً من الصالحين- رحمهم الله تعالى- قد شيدت عليهم القباب، ونذرت لهم النذور، وقصدوا لقضاء الحاجات، ودعوا في المهمات.

وكان ذلك كله مما أحدثه المحدثون بعدهم، وبالغ فيه المستغلون له، ممن ينتمون إليهم؛ فهم- إن شاء الله تعالى- برآء من إثم ذلك كله، وإنما إثمه على فاعليه.

[عبرة وتحذير]

يأتي يوم القيامة أولئك الذين كانوا يدعون الملائكة والجن المسلمين وعباد الله الصالحين، ويحسبون أنهم ينفعونهم في ذلك اليوم، فيتبرأ منهم أولئك الذين كانوا يعبدونهم بدعائهم، ويتركونهم في ذلك الموقف العصيب (٣).


(١) أي "أيهم" مبتدأ، و"أقرب" خبر، والتقدير؛ ينظرون أيهم أقرب.
(٢) أي أن "الذي" بدل بعض من الواو في "يبتغون"، و"أقرب" خبر لمبتدأ محذوف.
(٣) قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ} الآية ١٦٦ من سورة البقرة. وقال: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} الآية ٦٣ من سورة القصص.

<<  <   >  >>