للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بين القرآن من هم الصالحون بياناً شافياً كافياً بذكر صفاتهم، مثل قوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: ١١٣، ١١٤].

[المعنى]

يخبرنا الله تعالى أنه كتب في الكتب، التي أنزلها على رسله من بعد ما كتب في اللوح المحفوظ، الذي هو أصل تلك الكتب، أن الأرض يرثها ويملكها عباده الصالحون كل العقائد الصحيحة، والأخلاق الكريمة، والأعمال المستقيمة، الذين ينفعون العباد والبلاد.

[تطبيق]

خاطب الله بهذه الآية المؤمنين بمكة، وهم في قلة عَدَدٍ وعُدَدٍ، يعدهم بذلك- لا بطريق صريح- أنهم يرثون الأرض ويكون لهم فيها القوة والنفوذ، ويبعثهم بتعليق الوعد بوصف الصلاح على التمسك به والازدياد منه والاستمرار عليه.

ثم صرح لهم بالوعد بعد في سورة النور، وهي مدنية، بقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٥٥].

وقد حقق الله لهم هذا الوعد: ففتح لهم الفتوح، وأورثهم ملك كسرى وقيصر، ومد ملكهم في الشرق والغرب، وأولئك الذين كانوا في قلة وخوف يوم نزلت الآية المكية هم الذين شاهدوا ذلك النصر وتلك الفتوح وترأسوا ذلك الملك العريض.

[تعميم وتقييد]

علق الوعد بالوصف وهو الصلاح؛ ليعلم أنه وعد عام، ولتعلم كل أمة صالحة أنها نائلة حظها- ولا محالة- من هذا الوعد.

واقتضى هذا التعليق بالوصف أيضاً تقييده بأهله، فإذا زال وصف الصلاح من أمة زال من يدها ما ورثت.


= السلام، حديث ٨) وأحمد في المسند (١/ ٣٧٦، ٣٨٦، ٤٠٨، ٤١٣، ٤١٤، ٤٢٢، ٤٢٣، ٤٢٧، ٤٢٨، ٤٣١، ٤٣٧، ٤٣٩، ٤٤٠، ٤٥٠، ٤٥٩، ٤٦٤) والبخاري في الأذان باب ١٤٨ و١٥٠، والعمل في الصلاة باب ٥٤، والاستئذان باب ٣ و٢٨، والدعوات باب ١٦، والتوحيد باب ٥، ومسلم في الصلاة حديث ٥٦ و٦٠ و٦٢. والترمذي في الصلاة باب ٩٩ و١٠٠، والنكاح باب ١٧. والنسائي في التطببق باب ٢٣ و١٠٠ و١٠١ - ١٠٤، والسهو باب ٤١ و٤٣ - ٤٥ و ٥٦. وابن ماجة في الإقامة باب ٢٤، والنكاح باب ١٩. والدارمي في الصلاة باب ٨٤ و ٩٢.

<<  <   >  >>