للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أنه (خير) فيفيد العدل والحق، وأكل الحلال، وراحة البال.

وفيه حصول الثقة التي هي رأس مال التاجر.

وفيه حفظ نظام التعامل الذي هو ضروري للحياة. وهذه كلها وجوه نفع وخير.

الثاني: أنه (أحسن) عاقبة.

عاجلًا في نفس الشخص، وأخلاقه وفي عرضه، وسمعته، وفي سلامته من المطالبات، والمنازعات.

وآجلاً بحسن جزائه عند الله بما أعد للموفين من الأجر العظيم.

...

[تركيب على هذا الترغيب]

هذان الوجهان اللذان رغب الله تعالى بهما في الوفاء، ينبغي للعاقل أن يجعلهما نصب عينيه في كل ما يتناوله ويعمله؛ فيقتصر على ما هو خير ينفعه في الحال، وحسن العاقبة بنفعه وعدم ضرره في المآل.

والله يوفقنا إلى خير الأقوال والأعمال، إنه الكريم الواسع النوال.

...

[العلم والأخلاق]

{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦].

العلم الصحيح، والخلق المتين، هما الأصلان اللذان ينبني عليهما كمال الإنسان، وبهما يضطلع بأعباء ما تضمنته الآيات المتقدمة، من أصول التكليف؛ فهما أعظم مما تقدمهما من حيث توقفه عليهما. فجيء بهما بعده، ليكون الأسلوب من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى.

ولما كان العلم أساس الأخلاق قدمت آيته على آيتها تقديم الأصل على الفرع.

[آية العلم]

(القفو): اتباع الأثر، تقول: قفوته أقفوه، إذا اتبعت أثره. والمتبع لأثر شخص موال في سيره لناحية قفاه؛ فهو يتبعه دون علم بوجهة ذهابه، ولا نهاية سيره.

فالقفو: اتباع عن غير علم، فهو أخص من مطلق الاتباع، ولذلك اختيرت مادته هنا.

ولكونه اتباعاً بغير علم، جاء فى كلام العرب بمعني قول الباطل قال جرير:

وَطَالَ حِذَارِي خِيفَةَ الْبَيْنِ وَالنَّوَى ... وَأُحْدُوثَةٌ مِنْ كَاشِحٍ مُتَقَوِّفِ (١)


(١) البيت في ديوان جرير (ص٢٨١) وفيه "غربة" في موضع "خيفة" و"يتقوف" في موضع "متقوف"- لأن البيت=

<<  <   >  >>