وجاء فيه من طريق أبي هريرة زيادة: «وختم بي النبيون» (١)
فتعميم رسالته وختم النبوة به في الحديث الصحيح من طريقيه من مقتضى معنى الآية: فإنه لما عممت رسالته، ولم يكن معه رسول في حياته، وختمت به النبوة، فلا يكون كذلك بعد وفاته. ثبتت له كرامة الخصوصية، وعظمة المنزلة، وجزالة المثوبة، وهو ما كنا بيناه في معنى الآية.
وما أحسن التفسير عندما تعضده الأحاديث الصحاح!!.
[تأس ورجاء]
قد ثبت في السنة ما يكون من كثرة الجهل، وموت السنة، وانتشار البدعة؛ وقد أيد ذلك الواقع والمشاهدة.
فإذا كان دعاة العلم والسنة وخصوم الجهل والبدعة، فلا بد أن يكونوا قليلاً من العدد الكثير. خصوصا في مبدإ أمرهم وأول دعوتهم، ولا بد أن يلقوا ما يلقون، ويقاسوا ما يقاسون. ومما يثبت قلوبهم في عظيم مواقفهم: تأسيهم بالنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الذي جاء وحده بالحق، والناس كلهم على الباطل، فما زال يجاهد حتى لقي ربه.
ومما يثبت قلوبهم أيضاً: رجاؤهم- إذا أخلصوا النية وأحسنوا الإقتداء- فيما يكون لهم من الثواب كذلك فيمن اهتدى بهم، وفيمن بذلوا جهدهم في هدايته، وكانت لهم الرغبة العظيمة في إيصال الخير إليه وإن لم يرجع إليهم.
...
[عدم طاعة الكافرين والجهاد بالقرآن العظيم]
{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (٥٢)} [الفرقان: ٥٢].
لما بين له ما خصصه به من الكرامة، دعاه إلى مقابلة ذلك بعدم طاعة أهل الكفر، والثبات على جهادهم بالقرآن.
(الفاء) تفريعية. و (الطاعة) الامتثال للطلب.
و (الجهاد) بذل الجهد من ناحيتك في مقابلة من هو باذل جهده في الناحية المقابلة لك، هذا مقتضى صيغة فعال.
{جِهَادًا كَبِيرًا} مصدر مبين للنوع المطلوب بصفته، وهي {كَبِيرًا}.
(١) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم ٥. ونصه: «فُضّلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون».