للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[عموم حكم الآية وترغيبها]

العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والحكم يعم بعموم اللفظ. كما أن ذكر سبب القتل في الآية لا يقتضي التخصيص، لأنه ذكر لتصوير الحال الذي كانوا عليه، فالقتل حرام لأي سبب كان.

وهذا الفعل الذي كان في الجاهلية على الوجه المتقدم، وهو فعل مؤد إلى قطع النسل وخراب العمران- لا تسلم منه الأمم الأخرى في مختلف الأزمنة والبلدان:

إما بالقتل بعد الولادة.

وإما بإفساد الحمل بعد التخليق، وهو حرام باتفاق.

وقد يكون بالامتناع من التزوج.

أو بعد الإنزال في الفرج وهو العزل.

والآية كما نهت عن القتل، قد رغبت في النسل بذكر ضمان الرزق.

فعلى المؤمن أن يسعى لذلك من طريقه المشروع، وأن يتلقى ما يعطيه الله من نسل ابن أو بنت، بفرح، لنعمة الله وثقة برزق الله، وإيمان بوعده.

...

[حفظ الفرج]

{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}.

في الزنا إراقة للنطفة، وسفح لها في غير محلها، فلو كان منها ولد لكان مقطوع النسب، مقطوع الصلة، ساقط الحق. فمن تسبب في وجوده على هذه الحالة فكأنه قتله. ولهذا بعدما نهى عن الزنا الذي هو كقتلهم، لأنه سبب لوجودهم غير مشروع؛ قال الجوهري: «قربته أقربه قربانًا، أي دنوت منه» (١). فقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}، في النهي أبلغ وآكد من ولا تزنوا؛ لأنه بمعنى ولا تدنوا من الزنا، وأفاد هذا تحريم الزنا، وتحريم الدنو منه، لا بالقلب ولا بالجوارح، فقد جاء في الصحيح:

«كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة. العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليدان زناهما البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» (٢)؛ فزنا هذه الجوارح دنو من الزنا الحقيقي، ومؤد إليه.


(١) وفي اللسان (مادة قرب- ١/ ٦٦٢) عن التهذيب: «ما قربت هذا الأمر ولا قربته؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}، وفال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}؛ كل ذلك من قربت أقرب». وقال [ص:٦٦٦]: «وقَرِبَ الشيءَ، بالكسر، يَقرَبُه قُرْباً وقرْباناً: وأتاه فقَرب ودنا منه».
(٢) أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري في الاستئذان باب١٢، والقدر باب٩. ومسلم في القدر حديث٢٠=

<<  <   >  >>