[الآية الثالثة]
{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
{من كل شيء} من كل جنس من الأجناس.
{خلفنا} كونا.
{زوجين} فردين متباينين، يكمل أحدهما الآخر، في عالم الحيوان، وعالم النبات، وعالم الجماد.
{تذكرون} تذكرون ما أودع في فطرته من المعرفة، لما تنظرون بعقولكم في عجائب الخلق؛ فتدركون ما له جل جلاله من الألوهية والربوبية والوحداينة.
وقدم {من كل شيء} لأن الأشياء هي المستبدل بها، ولبعث الهمم على النظر فيها.
[المعنى]
إنا خلقنا الأشياء التي تشاهدونها على الزوجية والتركيب من شيئين متضادين، لتكونوا بحيث يرجى منكم أن تعلموا أن النقص والعجز عَمَّ المخلوقات كلها، لحاجة كل شيء منها إلى ضده، وقصوره بنفسه.
فالقدرة والكمال للخالق وحده، فلا يستحق العبادة سواه، فاعبدوه ووحدوه.
[توسع في التذكر]
النظر في الأزواج مُفْضٍ للعلم بما ذكرنا، وللعلم بأن الخلق غير صادر عن طبيعة الأشياء:
فإن النار- مثلا- لا يصدر عنها التبريد والتسخين؛ لأن السبب لا ينتج الضدين.
فالمخلوقات كلها صادرة بطريق الخلق عن فاعل مختار.
وللعلم بوجوه كثيرة من إحاطة علمه، وشمول حكمته، وعموم نعمته.
إذا نظر العاقل في هذه الأزواج وفكر انكشفت له وجوه سر دلائل الربوبية والألوهية والتوحيد، وإذا حصل الانكشاف الأول تبعته انكشافات، فإذا حصل منه التذكر أفضى به إلى تلك الوجوه الكثيرة. ولهذا نزل الفعل منزلة اللازم لا يراد منه إلاّ حصول الحدث.
...
[آية كونية في الآية القرآنية]
من الأزواج ما هو ظاهر مشاهد معلوم من قديم مثل السماء والأرض، والليل والنهار، والحر والبرد، والذكر والأنثى في الحيوان وبعض النبات.
ومنها ما كشفه العلم بما مهد الله له من أسباب كالجزء الموجب والجزء السالب في القوة الكهربائية وفي الذرة التي هي أصل التكوين، فلا فردية إلاّ لخالق هذه الأزواج كلها، الذي أنبأنا