[المعنى]
لما أكرمناك بعموم رسالتك، وختم النبوة بك فقابل هذه النعمة بإخلاص الطاعة لربك.
ولا تطع الكافرين أعداء الله وأعداءك، في أي شيء يدعونك إليه من مقتضيات كفرهم: كالرجوع إليهم، والسكوت عن بعض كفرهم.
وابذل كل جهدك في دعوتهم للدين الحق، ومقاومة ما هم عليه من الباطل بالقرآن العظيم، وجاهدهم بهذا القرآن جهاداً كبيراً، بتحمل كل ما يأتيك من ناحيتهم من بلاء وإذاية والصبر عليه، والثبات على الدعوة والمقاومة.
[تعميم]
كما لا تجوز طاعة الكافرين في شيء مما يمليه عليهم كفرهم، كذلك لا تجوز طاعة العصاة في شيء مما تمليه عليهم معصيتهم، لأن الجميع فيه مخالفة لدين الله.
وكما يجاهد أهل الكفر بالقرآن العظيم الجهاد الكبيرة كذلك يجاهد به أهل المعصية لأنه كتاب الهداية لكل ضال، والدعوة لكل مرشد.
وفي ذكر الكافرين تنبيه على العصاة على التنبيه بالأعلى على الأدنى؛ لاشتراكهم في العلة وهي المخالفة.
[إقتداء]
ما كان النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ليطيع الكافرين، وإنما جاء هذا النهي تهييجاً له على تمام مخالفتهم ومعاكستهم في جميع مناحي ومظاهر كفرهم.
والخطاب وإن كان له فالحكم شامل لأمته، فلا يجوز للمسلم أن يطيع كافراً أو عاصياً في أي شيء من نواحي الكفر، ونواحي المعصية.
وكما أن الجهاد بالقرآن العظيم هو فرض عليه، فكذلك هو فرض على أمته هكذا على الإجمال. وعند التفصيل تجده فرضاً على الدعاة والمرشدين الذين يقومون بهذا الفرض الكفائي على المسلمين.
فالنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قدوة لأمته فيما اشتملت عليه الآية من نهي وأمر.
[استدلال]
هذه الآية نص صريح في أن الجهاد في الدعوة إلى الله وإحقاق الحق من الدين، وإبطال الباطل من شبه المشبهين وضلالات الضالين، وإنكار الجاحدين، هو بالقرآن العظيم.
ففيه بيان العقائد وأدلتها، ورد الشبه عنها.
وفيه بيان الأخلاق محاسنها ومساويها، وطرق الوصول إلى التحلي بالأولى، والتخلي عن الثانية ومعالجتها.