مصرف بتلك الروح العلوية الظاهرة التي لا يصدر عنها إلاّ الخير، وبهذا الجسد البشري تأتى للبشر الأخذ عنه والإقتداء به.
ومأخذ هذه العقيدة من الآيات التي تلوناها في فصل التعليم المتقدم.
[تحذير]
علينا أن نحذر من أن نعترض أو نحكم بالأنظار السطحية، دون بحث عن الحقائق، أو أن نلحق شيء بشيء دون أن نتحقق انتفاء جميع الفوارق؛ فقد انتشرت بعدم الحذر من هذين الأمرين جهالات، وارتكبت ضلالات.
وبالنظر السطحي ازدرى إبليس آدم فامتنع من السجود له واعترض على خالقه، فكانت عليه اللعنة إلى يوم الدين.
وبعد النظر إلى الفوارق، قال أحد ابني آدم لأخيه لما تقبل قربانه دونه هو: {لَأَقْتُلَنَّكَ}، حتى ذكّره أخوه بوجود الفارق فقال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧].
حقيقة الأول ترجع إلى الجهل المركب. وحقيقة الثاني ترجع إلى القياس الفاسد، وهما أعظم أصول الفساد والضلال.
[سلوك]
الأنبياء والمرسلون أكمل النوع الإنساني، وهم المثل الأعلى في كماله وقد كان أصل كمالهم بطهر أرواحهم وكمالها؛ فأقبل على روحك بالتزكية والتطهير، والترقية والتكميل، ولا سبيل إلى ذلك إلاّ بالإقتداء بهم، والاهتداء بهديهم. وقد قال الله تعالى لنبينا- عليه الصلاة والسلام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠].
فاقرأ ما قصه القرآن العظيم من أقوالهم وأعمالهم، وأحوالهم وسيرهم، وتفقه فيه، وتمسك به؛ تكن إن شاء الله- تعالى- من الكاملين.
...
[فتنة العباد بعضهم لبعض]
{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (٢٠)} [الفرقان: ٢٠].
أفاد ما تقدم من الآية، أن الرسل يأكلون الطعام فيحتاجون للغذاء وتحصيله. وأنهم يمشون في الأسواق للسعي والتكسب، وأفاد آخر الآية الحكمة الربانية في ذلك؛ وهي أن يكون بذلك فتنة واختباراً للعباد، وتلك سنة الله تعالى في خلقه: فقد جعل بعضهم لبعض فتنة.
قال في "لسان العرب" (١) الأزهري وغيره: جماع معنى (الفتنة) الابتلاء، والامتحان،
(١) لسان العرب (١٣/ ٣١٧ - مادة فتن).