للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكر هذا في وصف الشيطان بعد ما تقدم يفيد أنه من وصف المبذر أيضاً: فالمبذر أخو الشيطان، والشيطان كان لربه كفورًا؟ فالمبذر كان لربه كفوراً. ذلك لأن الله تعالى أنعم عليه بالمال الذي هو أداة لكل خير، وعون عظيم على الطاعة، فجعله أداة في الشر، واستعان به على المعصية.

ومكنه الله بالمال من نعمة القدرة على القيام بالحقوق فضيعها وقام بالشرور والمفاسد؛ وهذا من أقبح الكفر لنعمة ربه الذي كان به مضارعاً للشيطان معرضاً عن أخيه، والعياذ بالله.

...

حسن المقال، عند العجز عن النوال:

{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا}.

للمرء حالتان:

حالة وجد، وحالة عوز.

فلما علمنا الله تعالى ما نصنع في حالة الوجد من الإيتاء لذوي القربى واليتامى والمساكين- علمنا ما نصنع في حالة العوز من الرد الجميل، والقول اللين الحسن.

وقوله تعالى: {تعرضن} من الإعراض وهو الانصراف عن الشي، وهو كناية عن عدم العطاء؛ لأن من يأبى أن يعطي يعرض بوجهه، ولو إعراضا قليلاً. ولما كان الإعراض كناية عن عدم العطاء، فإنه يشمل عدم العطاء لمن هو أهل لأن يعطي مع عدم وجود السؤال.

وقول تعالى: {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا}: (الابتغاء) هو الطلب باجتهاد، وذلك بالأخذ في الأسباب، والاعتماد على مسببها وهو الله تعالى ...

و (رحمة الرب) هنا رزقه، و (رجاؤها) هو انتظارها مع الأخذ في أسبابها بالقلب والعمل.

وابتغاء رحمة الرب ورجاؤها كناية عن حالة العوز والإعسار؛ لأن شأن المعوز المؤمن أن يكون كذلك.

وقوله تعالى: {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا}، تقول: يسرت له القول: إذا لينته له، فالقول الميسور هو القول الملين.

وحاصل المعنى:

إن أعرضت عنهم فلا تعطهم لأنك لم تجد ما تعطيهم- وهي الحالة التي تكون فيها تطلب رحمة من ربك راجياً رزقه- فقل لهم قولاً ليناً سهلاً، فتواسيهم بالقول عند عدم السؤال، ولا تتركهم في ساحة الإهمال، وتردهم الرد الجميل عند السؤال، فتقول لهم: يرزق الله، ونحوه من لين الكلام.

وفي الآية تعليم وتربية للمعسر من ناحيتين:

<<  <   >  >>