يجوز لمن أنعم الله عليه بنعمه وفضله بفضيلة أن يفرح بتلك النعمة ويظهر فرحه بها، في معرض حمد الله عليها، من حيث أنها كرامة من الله، لا من حيث أنها مزية من مزاياه فاق بها سواه، مثل فعل هذين النبيين الكريمين، وكما قال تعالى:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}[يونس: ٥٨].
وكثيراً ما يكون التفات المرء إلى نفسه حاجباً له عن غيره، فيذكر من شأنه ما أفرحه، ويسكت عن غيره، وفيهم من هو مثله ومن يفوقه، فقد يجر هذا إلى عجب بنفسه، وغمط لحق من عداه.
فلهذا كان من أدب مقام الفرح بنعمة الله وحمده عليها، ذكر نعمته العامة عليه وعلى غيره، والإشارة إلى من فضلوا عليه؛ فيكبح من نفسه بتذكيرها بقصورها، ويرضي الله باعترافه لذي الفضل بفضله، وحكمة الله وعدله، وبوقوفه كواحد ممن أنعم عليهم من عباده.
[إرشاد وإشادة]
أذكار الأنبياء- صلوات الله عليهم- من حمد وتسبيح وتهليل وغيرها أفضل الأذكار، وأجمعها وأسلمها. وقد اشتمل الكتاب العزيز على كثير منها.
فعلى المسلم الحريص على الخير بها علماً وعملاً؛ فقد رأيت ما يحف بإظهار الفرح بنعمة الله من مخاطر إذا لم يتنبه لها، وقد جاء هذا الحمد النبوي محصلاً للقصد، سالماً من كل خطرة بعباراته الموزونة الشاملة، التي لا يصدر مثلها إلاّ منهم لكمال علمهم وأدبهم، عليهم الصلاة والسلام.