يضع عله أخذه بالأسباب، فنال جزاءه في دار الأسباب وليس له في الآخرة إلاّ النار.
[أقسام العباد]
فالعباد- إذن- على أربعة أقسام:
١ - مؤمن آخذ بالأسباب الدنيوية، فهذا سعيد في الدنيا والآخرة.
٢ - ودهري تارك لها، فهذا شقي فيهما.
٣ - ومؤمن تارك للأسباب، فهذا شقي في الدنيا وينجو- بعد المؤاخذة على الترك- في الآخرة.
٤ - ودهري آخذ بالأسباب الدنيوية، فهذا سعيد في الدنيا ويكون في الآخرة من الهالكين.
فلا يفتنن المسلمون بعد علم هذا ما يرونه من حالهم وحال من لا يدين دينهم. فإنه لم يكن تأخرهم لإيمانهم، بل بترك الأخذ بالأسباب الذي هو سبب تأخرنا من ضعف إيمانهم. ولم يتقدم غيرهم بعدم إيمانهم، بل بأخذهم بأسباب التقدم في الحياة.
وقد علموا أنهم مضت عليهم أحقاب وهم من أهل القسم الأول بإيمانهم وأعمالهم. وما صاروا من أهل القسم الثالث إلاّ لما ضعف إيمانهم وساءت أعمالهم وكثر إهمالهم؛ فلا لوم- إذن- إلاّ عليهم في كل ما يصيبهم، وربك يقضي بالحق وهو الفتاح العليم.
...
{وَمَنْ أرادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِن فأولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً}.
[مريد الآخرة وجزاؤه]
وهذا قسم آخر من الخلق، قصد بعمله الآخرة وإياها طلب، وثوابها انتظر يرجو أن يزحزح فيها عن النار ويفوز بالجنة، ويحل عليه الرضوان.
فهذا كان سعيه مشكوراً بثلاثة شروط:
[الشرط الأول]
أن يقصد بعمله ثواب الآخرة قصداً مخلصاً، كما يفيده فعل الإرادة في: {وَمَنْ أرادَ الآخِرَةَ}، ولام الأجل في: {وَسَعَى لَهَا}.
[الشرط الثاني]
أن يعمل لها عملها المعروف في الشرع اللائق بها الذي لا عمل يفضي إلى نيل ثوابها سواه، وهو طاعة الله تعالى وتقواه، بامتثال أوامره ونواهيه، والوقوف عند حدوده.
[الشرط الثالث]
أن يكون مؤمناً موقناً بثواب الله تعالى وعظيم جزائه.