للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو ذهبنا مذهب التحديد في معاني الألفاظ الاصطلاحية لوجدنا المفسر من هؤلاء قليلا.

ز- أما المفسرون الذين يصدق عليهم هذا الوصف: فهم الذين يشرحون بحق فقه القرآن، ويستثيرون أسراره وحكمه، معتمدين على القرآن نفسه، وعلى السنة، وعلى البيان العربي، كما أشرنا إلى ذلك قبلاً.

ومن هؤلاء من اقتصر على الأحكام فقط كابن العربي، والجصاص، وعبد المنعم بن الفرس، وهؤلاء الثلاثة هم الذين انتهت إلينا كتبهم.

ومنهم من عمم، ولكن توسعه ظاهر في الأحكام، وأحكام العبادات والمعاملات، كالقرطبي، وابن عطية، وأضرابهما.

وكان جمود، وكان ركود، وضرب التقليد بجرانه (١)، فقضى على ذكاء الأذكياء وفهم الفهماء، إلى أن أذن الله للعقل الإسلامي أن ينفلت من عقال التقليد، ويستقل في الفهم، وللنهضة العلمية الإسلامية أن يتبلج فجرها، ويعم نورها.

فكانت إرهاصات (٢) التجديد لهذا العلم ظاهرة في ثلاثة من أذكى علمائنا وأوسعهم اطلاعا:

الشوكاني (٣)، والألوسي، وصديق حسن خان. مع تفاوت بينهم في قوة النزعة الاستقلالية، وفي القدرة على التخلص من الصبغة المذهبية التقليدية.

ثم كانت المعجزة بعد ذلك الإرهاص بظهور إمام المفسرين بلا منازع "محمد عبده" أبلغ من تكلم في التفسير، بيانا لهديه، وفهما لأسراره، وتوفيقا بين آيات الله في القرآن، وبين آياته في الأكوان، فبوجود هذا الإمام وجد علم التفسير وتم، ولم ينقصه إلاّ أنه لم يكتبه بقلمه كما بينه بلسانه، ولو فعل لأبقى للمسلمين تفسيرا لا للقرآن بل لمعجزات القرآن.

ولكنه مات دون ذلك.

فخلفه ترجمان أفكاره ومستودع أسراره "محمد رشيد رضا" فكتب في التفسير ما كتب، ودون آراء الإمام فيه، وشرع للعلماء منهاجه، ومات قبل أن يتمه.

فانتهت إمامة التفسير بعده في العالم الإسلامي كله، إلى أخينا وصديقنا، ومنشئ النهضة الإسلامية العلمية بالجزائر، بل بالشمال الإفريقي "عبد الحميد بن باديس".

[خصائص التفسير الباديسي]

كان للأخ الصديق "عبد الحميد بن باديس" رحمه الله ذوقا خاص في فهم القرآن كأنه حاسة


(١) أي ثبت واستقر.
(٢) الإرهاصات، علامات تسبق الأمر العظيم.
(٣) محمد الشوكاني (١٧٥٧ - ١٨٣٤) من جلة علمائنا له مؤلفات كثيرة.

<<  <   >  >>