ولما كان أهل الباطل لا يجدون في تأييد باطلهم إلاّ الكلمات الباطلة يموهون بها، والكلمات البذيئة القبيحة يتخذون سلاحاً منها، ولا يسلكون في مجادلتهم إلاّ الطرق الملتوية المتناقضة، فيتعسفون فيها ويهربون إليها؛ لما كان هذا شأنهم، أمر الله نبيه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.
أن يجتنب كلماتهم الباطلة والقبيحة، وطرائقهم المتناقضة والملتوية.
وأن يلتزم في جدالهم كلمة الحق والكلمات الطيبة البريئة.
وأن يسلك في مدافعتهم طريق الرفق والرجاحة والوقار، دون فحش ولا طيش ولا فظاظة.
وهذه الطريقة في الجدال هي التي هي أحسن من غيرها، في لفظها ومعناها، ومظهرها وتأثيرها، وإفضائها للمقصود من إفحام المبطل وجلبه، ورد شره عن الناس، وإطلاعهم على نقصه، وسوء قصده.
وهذه هي الطريقة التي أمر الله نبيه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالجدال بها في قوله: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥].
[إهتداء واقتداء]
هدتنا الآية الكريمة إلى الطريقة المحمودة المشروعة في الجدال.
وفي آيات القرآن بيان لهذه الطريقة البيان التام، فإنه كما لم يترك القرآن عقيدة من عقائد الإسلام إلاّ بينها وأوضح دليلها، ولا أصلاً من أصول أحكامه أو أصول آدابه إلاّ بينه واحتج له وذكر حكمته وثمرته، كذلك لم يترك شبهة من شبه الباطل إلاّ ردها بالطريقة الحسنة التي أمر بها. وجاءت السنة النبوية الكريمة، والسيرة المحمدية الشريفة، مطبقة لذلك ومنفذة له.
فالكتاب والسنة، فيهما البيان الكافي الشافي للجدال بالتي هى أحسن، كما فيهما البيان الشافي الكافي للحكمة والموعظة الحسنة.
فعلينا أن نطلب هذا كله من الكتاب والسنة، ونجهد في تتبعه وأخذه واستنباطه منهما، وندأب على العمل بما نجده، والتحلي به، والإلتزام له، من هذه الأصول الثلاثة في الدعوة والدفاع عنها.
[أحكام وتنزيل]
أمر الله بالدعوة وبالجدال على الوجه المذكور، فكلاهما واجب على المسلمين أن يقوموا به.
فكما يجب لسبيل الرب جل جلاله، أن تعرف بالبيان بالحكمة، وأن تحب بالترغيب بالموعظة الحسنة؛ كذلك يجب أن يدافع من يصدون عنها بالتي هي أحسن، إذ لا قيام لشيء من الحق إلاّ بهذه الثلاث.
غير أن الدعوة بوجهيها والجدال ليستا في منزلة واحدة في القصد والدوام: فإن المقصود بالذات هو الدعوة، وأما الجدال فإنه غير مقصود بالذات، وإنما يجب عند وجود المعارض بالشبهة،