للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا قول المخبل السعدي:

إِلَّا رَمَاداً هَامِداً دَفَعَتْ ... عَنْهُ الرِّيَاحَ خَوَالِدٌ سُحْمُ

(المهان) الذليل المحتقر الذي يفعل به ما يذله ويحقره.

{يضاعف} بدل من {يلق}، بدل كل من كل. قال الخليل: لأن مضاعفة العذاب هى لقي الأثام.

وعندي أنه بدل بعض من كل، لأن لقي العذاب على تلك الآثام يكون في الدنيا والآخرة، ومضاعفة العذاب والخلود فيه تكون في الآخرة، وبهذا تكون الآية قد أفادت أن المرتكب لما تقدم من المعاصي- الشرك وقتل النفس والزنا- ينال جزاءه دنيا، وأخرى، وعذاب الآخرة المضاعف المستمر أشد وأبقى.

وهذا هو الجاري على سنة القرآن في التخويف بسوء عاقبة المعصية عاجلا وآجلا، والتنبيه على أن الآجل أشد وأفدح من العاجل.

[المعنى]

ومن يأت هذه الأفعال؛ فدعا مع الله إلها آخر، أو قتل النفس التي حرم الله بغير حق، أو زنا، فإنه يلقى وينال جزاء معصيته في دنياه، وجزاءها في أخراه، ويكون عذابه عليها في الآخرة مضاعفاً مزيداً عليه أنواع أخرى، ويستمر فيه باقياً ذليلاً محقراً.

[توجيه]

إنما ضوعف لأهل هذه الكبائر العذاب. لأن كل كبيرة منها مضاعفة المفاسد والشرور.

ففي دعاء غير الله الجهل بالله، والكفر بنعمة الله، والإبطال لحق الله.

وفي قتل النفس تأييم وتيتيم وتأليم لغير من قتل وفتح لباب شر بين أولياء القاتل والمقتول، وتَعَدٍّ على جميع النوع، وتهوين لهذا الجرم الكبير.

وفي الزنا جناية على النسل المقطوع، وعلى من أدخل عليهم من الزنا من ليس منهم، وعلى أصحاب الإرث في خروج حقهم لغيرهم، وغير ما ذكرنا في جميعها كثير، فكانت المضاعفة من باب جعل الجزاء من جنس العمل، وهو من مقتضى الحكمة والعدل.

[تذكير]

يذكرنا القرآن بمضاعفة العذاب على كبائر الآثام، لنذكر عندما تحدثنا أنفسنا بالمعصية سوء عاقبتها، وتعدد شرورها، وتشعب مفاسدها، ومضاعفة العذاب بحسب ذلك عليها، لنزدجر وننكف، فنسلم من الشر المتراكم، والعذاب المضاعف، ونفوز بأجر التذكر وثمرة التذكير.

جعلنا الله والمسلمين ممن انتفع بالذكرى، وسلم من فتن الدنيا والأخرى، بمنه وكرمه آمين.

<<  <   >  >>