للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وليس المكروه بمعنى عدم المراد، لأنه لا يكون في ملكه تعالى ما لا يريد، وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله.

وليس بمعنى المنهي عنه نهياً غير جازم لأن ذلك اصطلاح فقهي حادث بعد نزول القرآن، والقرآن لا يفسر الحادثة بالاصطلاحات.

(ذلك): إشارة إلى جميع ما تقدم من المأمورات والمنهيات على قراءة (سيئه) فالمكروه هو سىء ما تقدم، وهو القبائح المنهي عنها.

أو إشارة إلى خصوص القبائح على قراءة: (سيئة).

و (مكروهاً): خبر كان على القراءة الأولى، وخبر ثان على القراءة الثانية.

وتقدير الكلام على القراءة الأولى:

كل ذلك المذكور كان سيئه- وهو المنهيات- مكروهاً عند ربك. ومفهومه: أن حسنه- وهو المأمورات- محبوب عنده.

وعلى الثانية كل ذلك المنهي عنه كان سيئه مكروهاً عند ربك. ومفهومه: أن المأمور به حسن عنده.

[المعنى]

عرف تعالى عباده في هذه الآية بمنطوقها ومفهومها- على ما تقدم في التقرير- أن ما أمرهم به هو الحسن المحبوب، وأن ما نهاهم عنه هو القبيح المبغوض.

فعلموا من ذلك أن أوامر الشرع ونواهيه هي على مقتضى العقل الصحيح والفطرة السليمة، وأنه- تعالى- لا يأمر بقبيح ولا ينهى عن حسن.

وفي علمهم بهذا ما يحملهم على الامتثال ويرغبهم فيه. فإن الحسن تميل إليه النفوس، والقبيح تنفر منه.

وفي قوله تعالى: {عند ربك} غاية الترغيب في الحسن والتنفير من القبيح، فإن الحسن جد الحسن ما كان حسناً عند الله تعالى، والقبيح جد القبيح ما كان قبيحا عنده. وفي اسم الرب تنبيه على أن العلم بالحسن والقبيح على وجه التفصيل والتدقيق- حتى يكون المأمور به حسناً قطعاً، والمنهي عنه في قبيحاً قطعاً- إنما هو قوله تعالى، وأن أوامره ونواهيه- تعالى- الجارية على مقتضى ذلك هي من مقتضى ربوبيته- تعالى- وتدبيره لخلقه.

...

مكانة هذه الأصول علما وعملاً:

{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}:

لما بينت الأصول تمام البيان، وقررت غاية التقرير- جاءت هذه الآية للتنويه بها لحث العباد على تحصيل ما فيها من علم، والتحلي بما دعت إليه من عمل.

<<  <   >  >>