عليه وآله وسلم- بما فيها من ذكر مخلوقاته وإنعاماته، وأيامه في أوليائه وأعدائه، ووعده ووعيده، وترغيبه وترهيبه- أقبلوا عليها، وأكبوا على سماعها، بآذان واعية، وأبصار راعية، وقلوب حاضرة، وعقول متدبرة. لا كمن يقبلون عليها ويكبون على سماعها، ولكنهم لا يسمعون ولا يبصرون، لأنهم لا يعقلون ولا يتدبرون.
[عموم الحاجة للتذكير]
بعدما ذكر تعالى من صفات عباد الرحمن ما ذكر .. ذكر استماعهم للتذكير، تنبيهاً على أن التذكير محتاج إليه في كل حال، فإذا كان الموصوفون بتلك الصفات يحتاجون إليه فغيرهم أولى، وذلك لأن الغفلة من طبع الإنسان، ودوام الغفلة صدأ القلوب، وصقالها هو التذكير.
[قبول التذكير من كل مذكر]
كما تقبل كلمة الحق من كل قائل، كذلك يقبل التذكير من كل مذكر، ولو كان المذكِّر من أكمل العباد، والمذكِّر من أوساطهم، أو أدناهم. وفي عباد الرحمن المذكورين في استماعهم إذا ذكروا من أي مذكر- القدوة الحسنة.
[ما يكون به التذكير]
قال الله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: ٤٥]، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: ١٧]، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧].
فالتذكير بآيات القرآن والأحاديث النبوية، هذا هو التذكير المشروع المتبوع، والدواء الناجع المجرب. ولذلك تجد مواعظ السلف كلها مبنية عليه راجعة إليه والنصح لله ولرسوله وللمسلمين في لزوم ذلك والسير عليه.
[أقسام الناس عند التذكير]
الناس عند تلاوة آيات القرآن على قسمين:
(أ) معرضين. (ب) ومقبلين.
فالمعرضون غير المؤمنين.
والمقبلون على قسمين:
(أ) مقبلين بظاهرهم دون باطنهم.
(ب) ومقبلين بظاهرهم وباطنهم.
فالمقبلون بظاهرهم دون باطنهم هم المنافقون.
والمقبلون بظاهرهم وباطنهم على قسمين:
(أ) مستمعين، مستبصرين، حاضرين، متدبرين.
(ب) وغافلين غير متدبرين غير سامعين ولا مبصرين.