{وكان} أي هو، أي إنفاقهم المفهوم من أنفقوا، {بين ذلك} خبر كان، و {قوامًا} حال مؤكدة. فلو قيل: وكان بين ذلك لكان كافياً، ولكن أكد بـ {قوامًا}، لما فيه من صريح اللفظ المفهم للعدل، والإنفاق يكون ولا يكون والشأن أن يكون؛ ولهذا علق، وكان التعليق بـ "إذا". وقدم نفي السرف على نفي التقتير؛ لأن الإسراف شرهما، ففيه مجاوزة الحدود، وضياع المال، وفي التقتير مفسدته مع بقاء المال فينفقه في الخير، وقد يبقى لغيره فينتفع به.
[المعنى]
إذا أنفقوا أموالهم لم يتجاوزوا الحد المشروع، ولم يضيقوا فيقصروا في القدر المطلوب. وكان إنفاقهم بين التجاوز والتضييق، عدلاً مستو لا إفراط فيه ولا تفريط.
وصفهم بالقصد الذي هو وسط بين الغلو والتقصير، وهو الحالة بين الحالتين، والحسنة بين السيئتين.
[تحديد]
الإسراف مذموم فهو ما كان في منهي عنه نهي تحريم، أو كراهة، أو في مباح قد يؤدي إليهما.
فالأول: كمن أولم وليمة أنفق فيها جميع ماله، وأصبح بعدها هو وأهله للضيعة والحاجة.
والثاني: كمن أولم وليمة دعته إلى الاستدانة، وإن كان يظن القدرة على الأداء، لأن الدين محذر ومستعاذ منه.
والثالث: كالاستمرار على إيلام الولائم مع القدرة عليها في الحال، مما قد يؤدي إلى الأمرين المذكورين في المآل.
والتقتير مذموم أيضاً:
فهو ما كان إمساكاً عن مأمور به أمر وجوب.
أو استحباب.
أو عن مباح يؤدي إليهما.
فالأول: كمن يمسك عن أهله شحاً حتى يذيقهم ألم الجوع والبرد.
والثاني: كمن لا يذيقهم بعض الطيبات التي يخص بها نفسه من السوق.
والثالث: كمن يمسك عن تطييب خاطر زوجته ببعض الكماليات مع قدرته عليها، مما قد يفسد قلب زوجته عليه، أو يحملها على ما لا يرضيه.
والقوام العدل هو الممدوح:
فهو أن ينفق في الواجب والمندوب، وما يؤدي إليهما، ويمسك عن المحرم والمكروه وما يؤدي إليهما، ويتسع في الحلال دون مداومة في الأوقات، واستيفاء لجميع اللذات واستهتار بالمشتهيات.