[المعنى]
نهينا عن أن نتبع ما ليس لنا به علم، فالذي نتبعه هوما لنا به علم؛ أي لنا به علم يقتضي اتباعه بأن يكون من عقائد الحق، وأقوال الصدق، وأفعال السداد.
فأما ما كان من عقائد الحق في أمر الدين، أو في أمر الدنيا، فلا حظر في اعتقاد شيء منه.
وأما ما كان من أفعال السداد فكذلك.
وأما ما كان من أقوال الصدق ففيه تفصيل: إذ ليس كل قول صدق يقال.
فالنقائص الشخصية في الإنسان لا تقال في غيبته: لأنها غيبة محرمة، ولا يجابه بها في حضوره لأنها أذاة؛ إلاّ إذا ووجه بها على وجه النصيحة بشروطها المعتبرة، التي من أولها ألا تكون في الملأ.
وهكذا يحدث في مثل هذه الأصول الكلية عندما يتفقه فيها، أن ينظر فيما جاء من الآيات والأحاديث مما في البيان لها، والتفصيل في مفاهيمها.
...
[تفريع]
[الفرع الأول]
من اتبع ما ليس به علم فاعتقد الباطل في أمر الدين، أو في حق الناس، أو قال الباطل كذلك فيهما، أو فعل المحظور ... فهو آثم من جهتين:
(١) اتباعه ما ليس له به علم. (٢) واعتقاده أو قوله للباطل وفعله للمحظور.
ومن اعتقد حقاً من غير علم، أو قال في الناس صدقاً عن غير علم، أو فعل غير محظور عن غير علم فإنه- مع ذلك- آثم من جهة واحدة، وهي اتباعه ما ليس له به علم، ومخالفته لمقتضى هذا النهي.
[الفرع الثاني]
المقلد في العقائد الذي لا دليل عنده أصلاً، وإنما يقول: سمعت الناس يقولون فقلت. هذا آثم لاتباعه ما ليس له به علم. فأما إذا كان عنده دليل إجمالي كاستدلاله بوجود المخلوق على وجود خالقه فقد خرج من الإثم، لتحصيل هذا الاستدلال له العلم.
والمقلد في الفروع دون علم بأدلتها متبع لمفتيه فيها، يصدق عليه باعتبار الأدلة التي يجهلها أنه متبع ما ليس له به علم، ولكنه له علم من ناحية أخرى وهي علمه بأن التقليد هو حكم الله تعالى في حق مثله من العوام، بما أمر تعالى من سؤال أهل العلم، وما رفع عن العاجز من الإصر (١)، وهو من العامة العاجزين عن درك أدلة الأحكام.
(١) الإصر: العهد المؤكد. وفي التنزبل العزيز: {قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري}.