للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا على وجوه:

أولها: محو السيئات الماضية بالتوبة، وكتابة حسنة التوبة وما فيها من عمل باطن وظاهر كما تقدم.

وثانيها: تركه المعصية وإتيانه بالعمل الصالح، حتى صار يعمل الصالحات بعدما كان يعمل السيئات.

وثالثها: أن نفسه كانت بالمعصية مظلمة شريرة فتصير بالتوبة والعمل الصالح منيرة خيرة. فالتبديل في الكتب والعمل وحالة النفس.

[مسألتان أصوليتان]

الأولى: هل يخرج غير التائب من النار؟

استثنى الله التائب من مضاعفة العذاب والخلود فيه مهانًا، فبقي غير التائب للخلود.

والخلود كما قدمناه في الآية السابقة طول البقاء، ولا يقتضي التأبيد وقد لا يكون؛ فمع التأبيد لا خروج ومع عدمه الخروج.

وغير التائب الذي بقي للخلود المطلق في الآية هو: المشرك والقاتل والزاني.

فأما المشرك فلا خروج له من النار؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (١) -[النساء: ٤٨ و١١٦].

وأما القاتل والزاني إذا كانا من أهل الإيمان فإنمها يخرجان بعد شديد العذاب بما معهما من الإيمان؛ لأحاديث صحيحة، منها ما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه:

«يخرج من النار من قال لا إله إلاّ الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة.

ثم يخرج من النار من قال لا إله إلاّ الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برَّة.

ثم يخرج من النار من قال لا إله إلاّ الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة» (٢).

زاد البخاري في رواية قتادة عن أنس: «من إيمان» مكان «خير» وهذا من عدل الله ورحمته، فإنه أذاقهم من العذاب الشديد والهوان المخزي جزاءهم، ثم أخرجهم من النار، وما أضاع عليهم إيمانهم، إن الله بالناس لرؤوف رحيم.


(١) { ... وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
(٢) رواه البخاري في التوحيد باب ١٩. ومسلم في الإيمان حديث ٣٢٥. والترمذي في صفة جهنم باب ٩. وأحمد في المسند (٣/ ١١٦، ١٧٣، ٢٧٦). والبُرّة، بضم الباء: واحدة البُر وهو حبّ القمح. والذرّة: المراد الواحدة من الذرِّ، وهو الحيوان المعروف الصغير من النمل. ومعنى يزن: أي يعدل.

<<  <   >  >>