للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها قبل أن تصل إلى تمام معرفتها العقول، فكان من معجزات القرآن العلمية التي يفسرها الزمان بتقدم الإنسان في العلم والعمران.

لما كانت السماء متلاحمة الأجزاء في العلاء، ثابتة على حالة مستمرة في هذه الدنيا على البقاء، ناسبها لفظ البناء.

ولما كانت مظهر العظمة (١) والجلال، ناسبها لفظ القوة (٢).

ولما كانت الأرض يطرأ عليها التبديل والتغيير بما ينقص البحر من أطرافها، وبما قد يتحول من سهولها وجبالها، وبما يتعاقب عليها من حرث وغراسة وخصب وجدب، ناسبها لفظ الفراش الذي يبسط ويطوى، ويبدل ويغير.

ولما كانت أسباب الانتفاع بها الميسرة ضرورية للحياة عليها وكلها مهيأة، وكثير منها مشاهد، وغيره معد يتوصل إليه بالبحث والاستنباط ناسب ذكر التمهيد.

ولما كانت الأزواج مكونًا بعضها من بعض ناسبها لفظ الخلق.

ولما كان النظر في الزوجين هو نظر في أساس التكوين لتلك المذكورات السابقة- وهو محصل للعلم الذي يحصل من النظر فيها- قرن بلفظ التذكر.

...

[الآية الرابعة]

{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.

(الفاء) للترتيب، لأن ما قبلها على ما فيه من عظمة وكمال وجمال، فهي مخلوقة موسومة بسمة العجز والنقصان، فلا يصلح شيء منها للتعويل عليه، فلم يبق إلاّ الخالق القادر ذو الجلال والإكرام، فهو الذي يفر إليه دون جميع المخلوقات.

(فروا) اهربوا. (النذير) المعلم بما فيه هلاك لتجنب الأسباب المؤدية إليه.

(المبين) الذين يوضح ما أنذر منه والأسباب المؤدية إليه، والوسائل المنجية منه، مع إقامة الحجة على صدقه ونصحه.

وقدم {لكم} ليفيد اهتمامه بهم، وذلك ليجلبهم إليه فيستمعوا لنصحه، وبعده {منه} ليبين مصدر رسالته، وذلك ليبين لهم أنه مأمور، فلا يستكبروا عن قبول دعوته.

وأكد الجملة (٣) لأنهم في مقام التردد أو الإنكار.


(١) كانت في الأصل: "معظمة" وهو خطأ طباعي.
(٢) المستفاد من قوله تعالى: {بِأَيْدٍ}.
(٣) بلفظة: "إنّي".

<<  <   >  >>