وتباعدت المذاهب حتى صار المسلم عدو المسلم- والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «المسلم أخو المسلم» (١) - إلاّ بتركهم هذا الأدب، وتركهم للتروي عند القول والتعمد السيء، بل للأسوأ في بعض الأحيان.
...
[التحذير من كيد العدو الفتان]
{إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}.
(نزغ الشيطان) وسوسته ليهيج الشر والفساد، وعداوته باعتقاده البغيض، وسعيه في جلب الشر والضر، وإبانته لعداوته بإعلانه لها كما علمنا القرآن.
وهو يلقي للإنسان كلمة الشر والسوء، ويهيج غضبه ليقولها، ويهيج السامع ليقول مثلها، وهكذا حتى يشتد المراء ويقع الشر والفساد.
ولون آخر من نزغه، وهو أنه يحسن للمرء قول الكلمة التي يكون فيها احتمال السوء، ويلح عليه في قولها، ويبالغ في تحسين الوجه السالم منه، وفي تهوين أمر وجهها القبيح حتى يقولها. فإذا قالها عاد لسامعه بالنزغ يطمس عنه الوجه السالم منها، ويكبر له الوجه القبيح، ولا يزال به يثير نخوته، ويهيج غضبه، حتى يثور فيقع الشر والفساد بينه وبين صاحبه.
فحذر الله تعالى عباده من كيده حتى يحترسوا منه إذا تكلموا وإذا سمعوا، فيتباعدون عما فيه احتمال السوء فضلاً عن صريحه، ويحملون الكلام على وجهه الحسن عند احتماله له، ويتجاوزون عن سيئة الصريح ما أمكن التجاوز.
[المحاسبة على الحال والظاهر والتفويض إلى الله تعالى في العواقب والسرائر]
{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا}.
أقوى الأحوال مظنة لكلمة السوء هي حالة المناظرة والمجادلة.
وأقرب ما تكون إلى ذلك إذا كان الجدال في أمر الدين والعقيدة، فما أكثر ما يضلل بعض بعضاً أو يفسقه أو يكفره، فيكون ذلك سبباً لزيادة شقة الخلاف اتساعاً، وتمسك كل برأيه ونفوره من قول خصمه. دع ما يكون عن ذلك من البغض والشر.
فذكر الله تعالى عباده بأنه هو العالم ببواطن خلقه وسرائرهم وعواقب أمرهم، فيرحم من يشاء، ويعذب من يشاء، بحكمته وعدله:
(١) جزء من حديث أخرجه البخاري في المظالم باب ٣، وأبو داود في الأدب باب ٣٨، والترمذي في الحدود باب ٣، وأحمد في المسند (٢/ ٩، ٦٨) من حديث عبد الله بن عمر. وأخرجه مسلم في البر والصلة والآداب حيث ٣٢، والترمذي في البر باب ١٨، من حديث أبي هريرة. وأخرجه أحمد في المسند (٥/ ٢٤، ٧١) من حديث رجل من بني سليط.