للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الرابعة: هل المقام المحمود خاص به؟]

قد علمت من المسألة السابقة أن مقام الشفاعة العظمى، وهي خاصة به فهو خاص به.

ويدل عليه حديث جابر الصحيح:

«من قال حين يسمع النداء- الأذان-: اللهم، رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته- حلت له شفاعتي يوم القيامة» (١). فهو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الموعود بالمقام المحمود.

[تنبيه وإلحاق]

قد جعل الله تعالى جزاء نبيه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- على تهجده، وخلوته بربه في مناجاته، هذا المقام الذي يحمده فيه الخلق، ويتقبل فيه شفاعته، ويستجيب دعوته، ويفتح عليه فيه بمحامد من ذكره، لم يفتح عليه بها قبل.

ففي هذا تنبيه للمؤمنين على حسن عاقبة القائمين لربهم في جنح الليل، وما يكون لهم من مقامات عند ربهم على حسب منازلهم. فكما كان المؤمنون ملحقين بنبيهم- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في مشروعية هذه العبادة، كذلك هم ملحقون به في حسن الجزاء عليها.

وان كان قد خصص هو عليه السلام بذلك الجزاء الأعظم؛ فلهم جزاؤهم: من مقامات القرب، والزلفى، والقبول، والرضا، على ما يناسب منازلهم، جزاء بما كانوا يعملون.

جعلنا الله من العابدين له المخلصين في أقوالهم وأفعالهم، وأوردنا حوض النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ورزقنا شفاعته.

...

[القرآن شفاء ورحمة]

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢)} [الإسراء: ٨٢].

[تمهيد]

لما جاء في الآية السابقة الإخبار بمجيء الحق، وفي مجيئه صحة الأرواح والأبدان والأحوال. وبزهوق الباطل، وفي ذهابه ذهاب العلل والأمراض. كذلك جاء في هذه الآية بذكر القرآن، والإخبار عما فيه من الشفاء والرحمة؛ تنبيها على أنه هو الشافي من أمراض الباطل وعلله، وأنه هو مصدر الحق وحجة ناصره، ومحصل الرحمة لأتباعه والمتمسكين به.

{من} لابتداء الغاية، أو للتبعيض، لأنه نزل مبعضاً، فكل بعض نزل منه شفاء ورحمة.


(١) أخرجه البخاري في الأذان باب٨، والقرآن باب١٧ و٨١. والترمذي في الصلاة باب٤٣. والنسائي في الأذان باب٣٨.

<<  <   >  >>