ويكون عمله في قدر الله هو الاعتبار في تصاريف القدر، واتعاظ بأحوال البشر، واستحصال قواعد الحياة من سير الحياة.
فإذا رأى من تصاريف القدر ما لم يعرف وجهه ولم يتبين له ما فيه من عدل وحكمة وإحسان ورحمة ... فليذكر عجزه، وليذكر ظهور ما خفي عنه من مثل ذلك في وقت، ثم ظهر له؛ فيوقن أن هذا مثله، وأنه إذا طالت به الأيام قد يظهر له من وجهه ما خفي منه، فيتلقاه الآن بالتسليم والتنزيه، راداً علمه إلى الله تعالى، مفوضاً أمره إليه.
ويكون عمله في شرع الله هو الفهم لنصوص الآيات والأحاديث، ومقاصد الشرع وكلام أئمة السلف، وتحصيل الأحكام وحكمها، والعقائد وأدلتها، والآداب وفوائدها، والمفاسد وأضرارها.
حتى إذا بلغ إلى حكم لم يعرف حكمته وقضاء لم يدر علته، ذكر عجزه فوقف عنده، فلم يكن من المرتابين ولا من المتكلفين.
ولم يمنعه عجزه عن تعليل وتبين وجه ذلك القليل عن المضي في التفهم والتدبر لما بقي له من الكثير.
ويكون عمله في كتاب الله هو التفهم والتدبر لآياته، والتفطن لتنبيهاته، ووجوه دلالاته، واستثارة علومه من منطوقه ومفهومه، على ما دلت عليه لغة العرب في منظومها ومنثورها، وما جاء من التفاسير المأثورة، وما نقل من مفهوم الأئمة الموثوق بعلمهم وأمانتهم، المشهود لهم بذلك من أمثالهم.
فإذا وقف أمام المتشابه رده إلى المحكم، وإذا انتهى إلى فواتح السور ذكر عجزه فآمن بما لها من معنى، وقال: الله به أعلم.
فبهذا السير النظري، والعمل العلمي المبني على اليقين بعدل الخالق جل جلاله، وحكمته ورحمته في خلقه، وقدره وشرعه وكلامه، ومعرفة العبد بقدره ومقامه، يزداد السائر على مقتضاه إيماناً وعلماً، وفوائد جمة، ويسلم من الغرور والأوهام والفتنة.
وهو سبيل الراسخين الذين يقولون فيما لا يفهمونه:
{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: ٧].
...
[الطريقة الثانية]
وذهبت جماعة من أهل العلم، من السلف والخلف، إلى أن هذه الفواتح قد فهمت العرب المراد منها، ولذلك لم تعترض على البيان بها، ولا طعنت في عربيته بعدم فهمها، وإن كنا لا نجد في كلامها ما نعرف به المعنى الذي فهمته منها.
وممن ذهب إلى ذلك الإمام أبو بكر بن العربي، فقال في كتاب (القبس على موطأ مالك بن أنس):