ولو كانت العبادة الخالية من الطمع والخوف هي أكمل العبادة ... لكان بيَّنها لهم بياناً شافياً صريحاً، كعادته في بيان الكمالات، وهو الحريص على دلالتهم على كل خير. فكيف لا يدلهم على هذا المقام بصريح المقال، لو كان من الكمال، بحيث يدعي لها بعض الناس؟؟!
[النتيجة]
فقد بان بما ذكرنا توارد آيات الكتاب، وأحاديث السنة في صراحة وجلاء على مشروعية العبادة، مقرونة بالرغبة والرهبة، والرجاء والخوف.
ولم نظفر بآية واحدة، أو حديث واحد، فيه التصريح بمشروعيتها مجردة منهما، فضلًا عن أنها أكمل منها معهما.
وما كنا لنترك أدلة الكتاب والسنة الصريحة لرأي أحد كائناً من كان.
٦ - وإننا نورد فيما يلي حديثا من صحيح البخاري، يبين لنا كيف كان الصحابة- سادة هذه الأمة- يعبدون الله تعالى، يرجون قبول أعمالهم لديه:
«قال أبو بردة بن أبي موسى الأشعري. قال لي عبد الله بن عمر:
هل تدري ما قال أبي لأبيك؛ قال قلت: لا.
قال: فإن أبي قال لأبيك: يا أبا موسى، هل يسرك إسلامنا مع رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وهجرتنا معه، وجهادنا وعملنا كله معه يرد لنا، وأن كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافاً: رأساً برأس؟
قال أبي- يعني أبا موسى - لا والله؛ قد جاهدنا بعد رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وصلينا، وصمنا، وعملنا خيرا كثيراً، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنا لنرجو ذلك.
فقال أبي- يعني عمر- لكني أنا، والذي نفس عمر بيده، لوددت أن ذلك يرده لنا، وأن كل شيء عملناه بعد أن نجونا منه كفافاً رأساً برأس.
فقلت- أبو بردة-: إن أباك والله خير من أبي» (١).
ووجه الدليل: عملهم على الرجاء، وخوفهم من عدم القبول، والعقاب على المخالفة، وإن اختلفا فيما اختلفا فيه.
ولا نجد في كلام واحد منهم، أنه كان يجرد عبادته عن الطمع والخوف، وما كان المقام الأكمل لقوتهم وهم أفقه الناس في الدين، وأحرصهم على الخير. هذه هي أدلتنا فيما ذهبنا إليه، ورددنا على مخالفيه.
وهي أكثر من هذا عدًّا في كتاب الله وسنة رسوله، وفيما ذكرناه كفاية- إن شاء الله- لمن
(١) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب ٤٥.