جزاؤه طويلًا؛ لأن الجزاء إذا كان محقق الوقوع يصير كأنه حاصل بالفعل، وكل عاقل يقطع بأنه إذا وقع الظلم من الظالم ... فقد استحق عليه الجزاء، ولا يلاحظ مسافة ما بين الظلم وجزائه. أما المباعدة بين أسفارهم التي اقتضاها كفرهم بأنعم الله فهي كناية عن محو العمران، وخراب القرى التي كانت ظاهرة متقاربة، حتى لا يبقى منها إلاّ القليل فيتباعد ذلك القليل بالطبع بخراب الكثير.
وأين العمران المتلاحم الذي يرتاح فيه المسافر لضبط المسافة، وتعدد المشاهد ... من الخراب الذي يوحش النفس فيزيد المسافة بعداً على بعد؟؟!!.
...
قصة ملكة سبأ والعبرة منها
وملكة سبأ وعرشها العظيم وملكها، وما قصه القرآن من نبئها أعظم وأروع.
فمخبر سليمان- عليه السلام- يقول عنها: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: ٢٣]. وما وصف عرش ملكة سبأ بالعظيم عند سليمان نبي الله الذي سخر له الجن والريح، إلاّ وهو في نفسه عظيم.
[العبر من القصة]
إن في قصة ملكة سبأ في القرآن لدرساً تتفجر منه ينابيع العظة والعبرة وإرشاداً إلى ما تقوم به الأمم.
ولولا أن هذا الخطاب قد طال ... لآثرنا منها العبر وآثرنا بها العبر. ولكن لا يفوتنا أن نختلس منها إرشادات، وما عليكم بعد ذلك إلاّ أن تتدبروا الآية، ففيها:
١ - نظام الشورى صريحاً لا مواربة فيه.
٢ - وأن بناء الأمم إنما يعتمد على القوة، وقد تكون مؤنثة فلا بد أن يسندها بأس شديد.
٣ - وأن الملأ هم الأشراف وأهل الرأي، وهم أعضاء المجالس الشورية ولعلهم كانوا بالانتخاب الطبيعي أو الوراثي، وهو لا يكون إلاّ في الأمم التي شبت عن [[طوق]] البداوة.
ولعل كاتباً من كتابنا يتناول هذا البحث، بحث الانتخاب في الإسلام، ولئن استرشد القرآن في هذا الباب ليرشدنه.
[أيها الإخوان]
هذه مدنيات ضخمة، غَبَرَتْ في هذه الأمة التي أهلها الله لحمل الرسالة الإلهية إلى العالم.
وهذه بعض خصائص هذه الأمة، التي هيّأها الله للنهوض بالعالم، وانقاذه من شرور الوثنية وبنيانها، ومن ضلال العبودية بجميع أصنافها.