(الصالح) هو المستقيم النافع وهو فعل المأمورات وترك المنهيات، وتناول المباحات من حيث أنها مباحات، أو وسائل لفعل المأمورات وترك المنهيات.
للاهتمام بالمأمور به قدمت قبل الأمر جملة النداء، ولأن هذا المأمور به مما يجب عليهم تبليغه نودوا بلفظ الرسل.
ولأن كل واحد منهم أوحى الله إليه بهذا النداء والأمر في زمانه كان النداء والأمر للجميع.
وقد دخل في الجمع عيسى- عليه الصلاة والسلام- الذي كان الحديث عليه في الآية التي قبل هذه وهي: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: ٥٠].
كما دخل في الجمع محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الذي نزلت عليه هذه الآية.
ولأن المقصود من الأكل- وهو الغذاء واللذة- يحصل ببعض قيل "من الطيب" بـ"من" التبعيضية.
ولما كان المخاطب بأكل الحلال والعمل الصالح شأنه أن تستشرف (١) نفسه لتعيين ثمرة ذلك، جاء الخبر مؤكداً بـ" إنّ" في {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.
وعلم الله مستلزم لجزائه للعاملين، فكان كناية عن الجزاء وفي الكناية عن الجزاء بالعلم تفخيم لهذا الجزاء وتعظيم، فهو جزاء الله العليم وكفى به.
[التفسير]
خلق الإنسان مركباً من روح وبدن، وإنما بقاء بدنه بالغذاء وإنما كمال روحه بالعمل.
فأمر الله بالأكل لبقاء البدن، واشترط أن يكون من الطيبات، لأنها هي التي تغذي ولا تؤذي، أما الخبائث ففيها الأذى ويتفه أو يعدم منها الغذاء.
وأمر بالعمل الصالح الذي فيه ذكاء للنفس ونفع لها في العاجل والآجل وخير للعباد والبلاد.
وأخبر بعلمه بعمل العاملين؛ ليجتهدوا في العمل ويخلصوا له فيه، وينتظروا جزاءهم من عنده.
والدين كله عمل صالح وتوحيد خالص، وقد انتظمتهما الآية تصريحاً في العمل واستلزاماً في التوحيد، وبين- تعالى- بهذه الآية أن هذا الذي اشتملت عليه هو دين الله لجميع الأمم، أوصى به رسله- صلوات الله وسلامه عليهم- ليبلغوه لخلقه، فهو حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه.
(١) تستشرف: تتطلّع.