الصالح، والاتباع للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ولو كان في قوم انفرد بينهم بذلك وحده. ولا يستوحش من انفراده بينهم؛ فحسبه رضى الله ومحبته، وكفى بهما أنسًا.
وليثق بأنه- إن صدق وأمد الله في عمره- يكون له ود وقبول في عباد الله، وأنس بمن يحبهم ويحبونه لله، وتلك المحبة النافعة الدائمة والصلة المتينة الجامعة، التي تجمع بين أهلها في الدنيا والآخرة.
جعلنا الله والمسلمين من العاملين له المتحابين فيه.
...
[٦ - حسن التلقي وطلب المزيد]
{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤)} [طه: ١١٤].
[من أدب المتعلم]
لا حياة إلاّ بالعلم، وإنما العلم بالتعلم، فلن يكون عالماً إلاّ من كان متعلماً، كما لن يصلح معلماً إلاّ من قد كان متعلماً.
ومحمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الذي بعثه الله معلماً كان أيضاً متعلماً: علمه الله بلسان جبريل، فكان متعلماً عن جبريل عن رب العالمين، ثم كان معلماً للناس أجمعين.
أرأيت أصل العلم ومن معلموه ومتعلموه؟
ثم أرأيت شرف رتبة التعلم والتعليم؟!
لا جرم كان لرتبة التعلم آدابها ولرتبة التعليم آدابها. وكان محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أكمل الخلق في آدابهما؛ بما أدبه الله، وأنزل عليه من الآيات فيهما، مثل آيتنا اليوم وغيرها.
[لزوم الصمت عند السماع]
كان النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إذا أنزل عليه جبريل- عليه السلام- بالوحي وقوله عليه، قرأ معه وساوقه (١) في القراءة. وكان ذلك منه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لحرصه على حفظه وعدم نسيانه، حتى يبلغه كما أنزل عليه.
ولأن تعلق قلبه بما يسمع من جبريل، وامتلاءه به، واستيلاء ذلك المسموع على لبه، يدعوه إلى النطق به، لما بين القلب واللسان من الارتباط، ولأن شوقه إلى ذلك المسموع ومحبته ورغبته فيه، تبعثه على التعجل بقراءته.
(١) ساوقه: تابعه وسايره وجاراه (المعجم الوسيط: [ص:٤٦٤]).