ومن تاب التوبة الصادقة، وعمل عملاً صالحاً دليلاً على صدق توبته، فإنه يرجع إلى الله الذي يحب التوابين ويحب المتطهرين، ويحسن لقاءهم ويجزل ثوابهم- رجوعاً وأي رجوع: رجوع العز والتكريم إلى الحليم الكريم!.
[ترغيب]
دعا الله بهذا عباده المذنبين حتى لا يتسرب القنوط إلى قلويهم، وهو محرم عليهم، ولا يحول بينهم وبين خالقهم ذنب وإن عظم.
ورغبهم في التوبة بأنها رجوع إليه وكفى، وأن الرجوع إليه فيه من الخير والشرف فوق ما تصوره الألفاظ. فما أحلمه من رب كريم، وما أرحمه بعباده المذنبين!
فهذا داعي الله فأجيبوه، وهذا باب الله فلجوه؛ فإنكم مهما رجعتم إليه لا تطردوا، ومهما قصدتم إليه تقبلوا وتكرموا.
لما وصفهم بالصفات المتقدمة الدالة كلها على كمال أخلاقهم، واستقامة أعمالهم في ظواهرهم وبواطنهم، بانبنائها على قوة إِيمانهم وصحة علمهم، فكانوا أهل الحق المتصفين به في علمهم وعملهم، القائمين عليه في جميع أحوالهم- وصفهم هنا ببعدهم عن الباطل ومشاهده ومجانبتهم لأهله.
(الشهود): هو الحضور الذي يكون فيه إدراك بالحواس أو بالبصيرة.
و (الشهادة): هي الإخبار عن علم حصل عن شهود. و {لَا يَشْهَدُونَ} يحتمل أن يكون من الشهود، وأن يكون من الشهادة. و {الزُّورَ} أصله الميل ويطلق على الكذب، لأنه ميل عن الحقيقة، وعلى كل باطل من الأقوال والأعمال، لأنه ميل عن الحق.
إذا كان {لَا يَشْهَدُونَ} بمعنى لا يحضرون، فالزور مفعول به. وإذا كان بمعنى لا يخبرون فالزور مفعول مطلق بعد حذف المضاف. والأصل: ولا يشهدون شهادة الزور.
[المعنى]
على الاحتمال الأول: والذين لا يحضرون مشاهدة الباطل والإثم في كل مجلس تتعدى فيه الحدود، أو تنتهك فيه الحرمات، أو يحكم فيه بالجور أو تعظم فيه الطواغيت، أو يدعى فيه بدعوى