والأقسام كلها مذمومة إلاّ قسم المقبلين بظواهرهم وبواطنهم، المستمعين المستبصرين. وهذا القسم هو الذي وصف به عباد الرحمن، فكانوا مباينين لأهل الإعراض من الكافرين والمنافقين، ولأهل الغفلة، وعدم التدبر من المؤمنين.
[تحذير وتنبيه]
قد صورت الآية حالة المؤمن بالقرآن الذي ينكب عليه، ويتلقاه بالقبول، ثم لا يتفهمه ولا يتدبره، بحالة الأصم الأعمى في عدم انتفاعه بما انكب عليه، تقبيحاً لعدم التفهم والتدبر من المؤمن للآيات، وتحذيراً منه وتنبيهاً على أن الانتفاع بالقرآن الذي تتفتح به البصائر، وتتسع به المدارك، وتتهذب به الأخلاق، وتتزكى به النفوس، وتتقوم به الأعمال، وتستقيم به الأحوال؛ إنما يكون بتفهمه، وتدبره، دون مجرد الانكباب عليه بلا تفهم ولا تدبر.
[أمر وإرشاد]
الآيات الدالة على طلب التدبر والتفهم لآيات القرآن العظيم كثيرة، منها الآية المتقدمة، ومنها قوله تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص: ٢٩]. فعلينا أن نحضر قلوبنا عند سماعها، ونستعمل عقولنا في فهمها، ونحمل أنفسنا على الاتعاظ بها، فإذا صدقت النية وأخلص التوجه فتح على العبد من وجوه العلم والعمل- بإذن الله- بما لم يكن له في بال.
وإن الله وصف هذا الكتاب بأنه مبارك؛ لزيادة خيراته وتيسيره للذاكرين- ترغيبا لنا في فهمه وتدبره، واستنزال الخيرات واستزادة البركات منه.
فأقبل- يا أخي- على القرآن: على استماعه وعلى تفهمه، والزم ذلك حتى يصير عادة لك وملكة فيك .. تر من فضل الله وإقباله عليه ما يدنيك- إن شاء الله- ويعليك، ويعود بالخير الجزيل عليك.
والله نسأل لنا ولكم الإقبال على الله بتلاوة وتدبر كتابه، والتأدب بجميع آدابه، حتى نحشر في زمرة أحبابه، بمنه وكرمه آمين.
لما وصفهم في الآيات المتقدمة، بما دل على أنهم أهل خير وكمال في أنفسهم .. وصفهم في هذه بما دل على محبتهم الخير والكمال لغيرهم من قرابتهم: أزواجهم، وذريتهم، ومن سواهم. وقدم الأزواج على الذرية لأنهم ألصق ولأنهم الأصل.