لما ذكر- تعالى- عدم إيمانهم لما سبق من علم الله فيهم ذكر هنا سبباً آخر لذلك، وهو استواء الإنذار وعدمه لديهم.
ذكر هذا السبب إثر ما تقدم من وصف حالهم في شدة الإعراض، للتنبيه على أن من فسدت فطرته، وانطمس عقله، يستوي عنده الإنذار وعدمه، فلا يكون منه إيمان على كل حال.
{سواء} بمعنى مستو. والهمزة الأولى (١) أصلها للاستفهام، وليس مراداً هنا، وتسمى في مثل هذا التركيب همزة التسوية، لوقوعها بعد لفظها، ودخولها على الأول من أمرين يراد التسوية ما بينهما. وهي حينئذ من أدوات السبك ولذا يكون تأويل الكلام هكذا: سواء عليهم إنذارك وعدم إنذارك.
[المعنى]
إن أكثر أهل مكة الذين حكم الله بعدم إيمانهم، بلغوا من شدة الإعراض والعناد إلى حيث استوى عندهم الضدان: الإنذار وعدم الإنذار، فمحقق منهم عدم الإيمان ومأيوس من صدوره من ناحيتهم.
[تحذير]
يذكر الله- تعالى- حالة هؤلاء الذين استوى عندهم الشيء وضده، يحذرنا منها، ومما يؤدي إليها، من إهمال الفطرة وترك النظر.
فإن الإنسان إنما يمتاز على بقية الحيوان بتمييزه بين الحقائق بالفطرة والفكرة، وإدراكه الفوارق ما بينها. فإذا سلب هذه المزية التحق بالعجماوات؛ بل كانت العجماوات خيراً منه لبقاء فطرتها سليمة لإدراك ما فيها استعداداً لإدراكه.
لما ذكر تعالى المأيوس من انتفاعهم بإنذار النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ذكر الذين ينتفعون به تأنيساً له بهم، وتقوية له بظهور ثمرة إنذاره فيهم.