للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذاك إلاّ من سكوت علمائهم وقعودهم عن القيام بواجبهم: في مقاومة المستبدين وتعليم الجاهلين، وبث روح الإسلام الإنساني السامي في المسلمين.

فعلى أهل العلم- وهم المسؤولون عن المسلمين بما لهم من إرث النبوة فيهم- أن يقوموا بما أرشدت إليه هذه الآية الكريمة؛ فينفخوا في المسلمين روح الاجتماع والشورى، في كل ما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم، حتى لا يستبد بهم مستبد، ولا يتخلف منهم متوان، وحتى يظهر الخاذل لهم ممن ينتسب إليهم، فينبذ ويطرح ويستغنى عنه بالله وبالمؤمنين.

[موازنة وترجيح]

هنالك المصلحة العامة وهنالك المصلحة الخاصة، ومحال أن تساوى هذه بتلك: انظر إلى الذكر الحكيم كيف عبر عن الأولى بالأمر الجامع، وفي هذا ما فيه من تفخيم. وعبر عن الثانية ببعض الشأن، وفي هذا ما فيه من التحقير والتقليل.

وفي قرنها بالاستغفار تنبيه على ترجيح الأولى على الثانية، وأنها ما كانت تعتبر إلاّ على وجه الرخصة، والاستغراق في الاهتمام والتدبير للمصلحة العامة أحق وأولى.

[إمتثال ورجاء]

لنجعل المصلحة العامة غايتنا والمقدمة عندنا، حتى لا يكون- إن شاء الله- في مصالحنا الخاصة ما يصرفنا أو يشغلنا عنها، راجين من الله تعالى أن يعيننا على ما قصدنا، وأن يوفقنا إلى استعمال كل مصلحة خاصة لنا في مصلحة عامة لنا ولإخواننا، إنه نعم الموفق ونعم المعين.

...

{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣]. لما بينت الآية السابقة وجوب الاستئذان عند إرادة الانصراف من مجلسه، عليه الصلاة والسلام، بينت هذه الآية وجوب تلبية دعوته إذا دعا، وفضحت حالة الذين يتسللون غير مستأذنين، وحذرت من فعلهم، وأوعدت الوعيد الشديد للمخالفين أمثالهم.

(الدعاء) النداء وطلب الإقبال للحضور. {بَيْنَكُمْ} في اعتقادكم ومعاملتكم.

{يَتَسَلَّلُونَ} يذهبون قليلا قليلاً من الجماعة متخفين.

{لِوَاذًا} ملاوذة، بأن يلوذ هذا بهذا ويلوذ هذا بهذا متستراً به حتى لا يرى عند خروجه.

{فَلْيَحْذَرِ} فليتيقظ وليتحرز؛ وذلك باجتناب المخالفة.

{يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} يصدون ويعرضون عن طريقته وسنته ومنهاجه، وما كان عليه من سير في الحياة.

(الفتنة) البلاء بأنواع النقم أو بنعم تستدرج إلى النقم. هذا معنى الفتنة هنا لأنها ذكرت في مساق الوعيد.

<<  <   >  >>