للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«انطلق نفر من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء.

فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عند بعضهم شيء. فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؛ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا (١).

فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ الحمد لله رب العالمين؛ فكأنما نشط من عقال (٢). فانطلق يمشي وما به قلبة. قال: فأوفهم جعلهم الذي صالحوهم عليه.

فقال بعضهم: اقسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا. فقدموا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، فذكروا له. فقال: وما يدريك أنها رقية؟!. ثم قال: قد أصبتم؛ أقسموا واضربوا لي معكم سهما» (٣) فضحك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

فثبت بهذين الحديثين أن في القرآن شفاء للأبدان.

وحصل عندنا من جميع ما تقدم أنه شفاء للأرواح والأبدان للأفراد والمجتمع.

[مداواة الأبدان بالطب والقرآن]

ثبت عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الأمر بالتداوي قولًا وعملاً.

وثبت عنه الاستشفاء بالقرآن. ولا منافاة بينهما، فإن الإنسان مركب من روح من عالم النور، وجسم من عالم المادة المركبة.

فمن الحكمة الإلهية أن شرع الله لنا عند الأمراض على لسان رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الجمع بين الأدوية المادية، التي هي المناسبة للبدن، والآيات القرآنية التي هي المناسبة للروح، مع ما في الأدوية القرآنية من اطمئنان القلب بالله، وقوته به، وانتعاشه بذكره، وفي ذلك من تقوية للروح ونعيمها ما يهون عليها ألم المرض، ويشفيها بإذن الله تعالى عليه.

ومثل الآيات القرآنية في ذلك، كل ما ثبت في السنة من الرقى النبوية المأثورة.


(١) الجعل (بضم الجيم وسكون العين): ما يجعل على العمل من أجر.
(٢) قوله «نشط من عقال» ويقال «أنشط من عقال» أي حل. انظر النهاية في غريب الحديث والأثر (٥٧/ ٥ - مادة نشط).
(٣) أخرجه البخاري في الإجارة باب١٦، والطب باب٣٣ و٣٩. ومسلم في السلام حديث٦٦. وأبو داود في البيوع باب٣٧، والطب باب١٩. وأحمد في المسند (٣/ ١٠، ٤٤).

<<  <   >  >>