للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{إن} نافية. و {من} زيدت لاستغراق الجنس وتأكيد العموم.

و {إلا} أفادت مع إن النافية حصر كل قرية في أحد الأمرين من الهلاك والعذاب الشديد، ليعلم أن لا نجاة لكل قرية من أحدهما قطعا.

و {أو} تفيد أحد الشيئين المذكورين على الإبهام وعدم التعيين.

و {ذلك} إشارة المذكور من الهلاك والتعذيب.

[المعنى]

يقول تعالى: ما من قرية على وجه الأرض إلّا ولا بد أن يحل بها منا هلاك وفناء بما يبيدها ويفنيها، أو عذاب شديد لا يفنيها، ولكنه يذيقها أنواع الآلام وشديد النكال.

كان هذا قضاء سابقاً في علمنا، ماضيا في إرادتنا، مكتوباً أسطاراً في اللوح المحفوظ.

[الأحكام]

أحكام الله تعالى قسمان:

أحكام شرعية، وهي التي فيها بيان ما شرعه لخلقه مما فيه انتظام أمرهم وحصول سعادتهم إذا ساروا عليه.

وأحكام قدرية وهي التي فيها بيان تصرفه في خلقه على وفق ما سبق في علمه وما سبق في إرادته.

والأحكام الشرعية تقع من العباد مخالفتها، فيتخلف مقتضاها من الفعل أو الترك.

والأحكام القدرية لا تتخلف أصلاً، ولا يخرج المخلوقات عن مقتضاها قطعاً.

وفي هذه الآية حكم من أحكامه القدرية، وهو أن كل قرية لا بد أن يصيبها أحد الأمرين المذكورين بما سبق من علمه، وما مضى من إرادته، فلا يتخلف هذا الحكم، ولا تخرج عنه قرية.

...

[إيضاح وتعليل]

الله حكم عدل حكيم خبير؛ فما من حكم من أحكامه الشرعية إلاّ وله حكمته، وما من حكم من أحكامه القدرية إلاّ وله سببه وعلته.

لا لوجوب أو إيجاب عليه، بل بمحض مشيئته، ومقتضى عدله وحكمته.

وقد قضى على كل قرية بهذه العاقبة من الهلاك والعذاب الشديد في هذه الآية، وبين في غيرها سبب استحقاقها لهما فقال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} [الكهف: ٥٩].

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: ١١٧].

<<  <   >  >>