ولن نعز عزهم إلاّ إذا فهمنا الدين فهمهم وخدمنا العلم خدمتهم.
[ترتيب في الاستدلال]
إخراج الخبء لا يكون إلاّ من العالم بذلك الخبء، الذي أحاط علمه به في حال ستره، وفي حال ظهوره، فيدل ذلك على شمول علمه لما ظهر وما بطن، ومنه ما يخفون وما يعلنون، ولذلك عطفه عليه؛ لترتبه عليه، ترتب المدلول على دليله.
[الآية الثانية عشرة]
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦)} [النمل: ٢٦].
{العرش} مخلوق عظيم من عالم الغيب، أعظم من السموات والأرض.
الموصوف بتلك الصفات، والمنعم بتلك الإنعامات، المستحق للسجود منهم- وقد زين لهم الشيطان عدم السجود له- هو الله الذي لا معبود غيره، ولا يستحق العبادة سواه؛ خالق المخلوقات كلها، والمالك لها، والمدبر لأمرها، والمتصرف فيها، من أصغر مخلوق إلى أعظم مخلوق، وهو عرشه العظيم، الذي فاق كل ما نرى من عالم الشهادة.
[توجيه الترتيب]
لما ذكر استحقاقه للعبادة بكمالاته وإنعاماته، ذكر أن لا مستحق للعبادة غيره، إذ لا يشاركه في تلك الكمالات والإنعامات سواه؛ فكأن الجملة كالنتيجة لما قبلها.
ولما ذكر وحدانيته في الألوهية فلا يعبد سواه، ذكر وحدانيته في الربوبية، بانفراده بالخلق والملك والتصرف والتدبر لهذا المخلوق العظيم، ونبه به على ما دونه من المخلوقات.
ولما كان الحديث على عظمة ملك العباد: ملك النبوة وغيره، ذكر عظمة ملك الله، التي تصغر إزاءها كل عظمة.
قد يتماتل اللفظان، ولكن يجب أن يعبر كل واحد بمعنى لائق بالمقام الذي قيل فيه.
فلقد جاء في حق سليمان عليه السلام: {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: ١٦]، ووصف الهدهد بلقيس بأنها {أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل:].٢٣، ولما كان المتحدث عنه أولًا هو سليمان، فكل شيء يعم ما يحتاج إليه من أمر النبوة وملك النبوة.
كما أنه قد قال عنها: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: ٢٣].
وقال عن الله: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [المؤمنون: ٨٦، النمل: ٨٦].
فعرش عظيم بين عروش الملوك.