{كرَّمنا بني أدم} أي فعلنا لهم ما فيه رفعتهم ومنفعتهم، من إنعاماتنا عليهم.
و {حملناهم} من الحمل بمعنى الرفع أي أركبناهم ورفعناهم على المركوبات مثل قوله تعالى:
{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: ٩٢].
{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر: ١٣].
{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: ٣].
و {الطيبات} ما يطيب للأكل والشرب مما يلذ في الطعم، وتحمد عاقبته فلا يكون الطيب إلاّ حلالا؛ لأن غير الحلال- وإن لذ طعمه في بعض أقسامه- فإنه لا تحمد عاقبته؛ بما فيه من إثم وتبعة، وما يكون فيه من ضرر.
و {فضلناهم} من الفضل بمعنى الزيادة، أي صيرناهم ذوي فضل وزيادة في الكرامة، كما تقول: فضلت زيدا على عمرو في العطاء، أي صيرته ذا فضل وزيادة عليه فيه.
ومتعلق "حملناهم" محذوف، لقصد التعميم المناسب لمقام الامتنان بالتكريم مع الاختصار. تقديره: على كل ما يصلح لحملهم عليه.
[المعنى]
يقول تعالى: ولقد أنعمنا على بني آدم نعماً عظيمة كثيرة.
في خلقتهم من تركيب أبدانهم، وأرواحهم وعقولهم.
وفي حياتهم بما مكنَّاهم منه من أسباب السلطان على غيرهم من الخلق من عالم الجماد والنبات والحيوان.
وتسخير هذه العوالم لهم يحصلون منها منافعهم، فأوصلنا إليهم هذه النعم، وكرمناهم بها، فنفعناهم، ورفعنا أقدارهم.
ومن هذا التكريم والإنعام الذي فيه المنفعة، وفيه الرفعة: أننا سخرنا لهم ما يركبونه في البر والبحر، ومكناهم من أسباب تسييره والانتفاع به.
وأننا بثثنا لهم على وجه الأرض أنواعا من المآكل والمشارب اللذيذة المباحة، من النبات والحيوان والجماد، فخلقناها صالحة لغذائهم، ومكناهم من أسباب تحصيلها وإصلاحها، والتفنن فيها.
فكان لهم بذلك كله زيادة بينة من نعمتنا، وفضل محقق على كثير من مخلوقاتنا.
...
[مسائل]
[المسألة الأولى]
تكريم الله تعالى لخلقه قسمان: أحدهما عام، والآخر خاص: