فمن الأول: تفضيل بني آدم المذكور في هذه الآية بما كرموا به، وأعطوه في خلقتهم من الوجوه المتقدمة زائد على كثير من مخلوقات الله، مما كانت لهم به الرفعة والمنفعة لجميع نوعهم على العموم.
ومن الثاني: تفضيل المجاهدين على القاعدين في قوله تعالى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٥].
[المسألة السادسة]
اقتضى قوله تعالى: "وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ": أي بما كرمناهم به في خلقهم أنهم لم يفضلوا على جميع مخلوقات الله، وأن بعض المخلوقات أفضل منهم في الخلقة، وأكثر منهم كرماً في الجنس. فمن هو هذا المخلوق المفضل عليهم؛ وهذا ما نبينه في المسألة التالية.
[المسألة السابعة]
إذا نظرنا في عوالم المخلوقات فإننا نجدها منقسمة إلى قسمين:
قسم مشاهد وقسم غير مشاهد، علمناه بالوحي الصادق من الكتاب والسنة.
فالقسم الأول: هو عالم الجماد، وعالم النبات، وعالم الحيوان. وهذا القسم كله قد فضل عليه الإنسان بميزة عقله التي ساد بها الجميع وبغيرها مما تقدم.
والقسم الثاني: هو الملائكة والجن. فأما الجن: فالإنسان أشرف منهم خلقة، وأكرم عنصراً، فهم ظلمانيون خلقوا من النار. وهو ترابي وروحه من عالم النور الذي هو عالم الملائكة؛ فلذا كان أهلًا لاصطفاء الرسل منه كما اصطفيت من الملائكة ولم يصطف من الجن رسول ولا نبي.
وأما الملائكة فخلقتهم أشرف من خلقة الإنسان وأكرم، لأنهم خلقوا من نور محض، منزهة أجسامهم النورانية عن كثافة الأجساد الإنسانية الترابية، وأخلاطها وظلمتها، فلم يفضل عليهم النوع الإنساني في خلقه، بل فضلوا عليه، فهم غير الكثير الذي فضل عليه الإنسان.
[المسألة الثامنة]
المفاضلة تقع بين الملائكة وبني آدم على وجهين:
[إما من جهة الخلقة وإما من جهة المثوبة]
فأما من جهة الخلقة فقد عرفنا في المسألة المتقدمة، أن الملائكة أفضل، والآية ظاهرة في ذلك ظهوراً بيناً. وأما من جهة الأجر والمثوبة فهو خارج عن معنى الآية وموضوعها، وأفضل الخلق- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أفضل منهم قطعا.
وفي المفاضلة بين الأنبياء والملائكة في الأجر والثواب، خلاف كبير وتفويض أمر ذلك إلى الله تعالى- في مقام التذكير- أسلم.
***