فأراد سليمان أن يسافر، فأمر أعوانه بجمع الجنود فجمعوهم له. فلما اجتمعوا تولى رؤساؤهم تنظيمهم فساروا مع سليمان في كثرة ونظام، يتولى أولئك الرؤساء تنظيمهم في سيرهم ويمنعونهم من الخروج عن النظام.
[تفصيل]
كما أن للإنس من يعرفهم من أعوان سليمان ومن ينظمهم من رؤسائهم، كذلك يكون للجن، وكذلك يكون للطير.
وسلطة سليمان على الجن وتسخيره لهم وسلطته على الطير وفهمه لها وفهمها عنه معجزة له، وخصوصية ملك لم يَنْبَغِ لأحد من بعده!!
[تاريخ وقدرة]
تفيدنا الآية صورة تامة لنظام الجندية في ملك سليمان.
فقد كان الجنود يسرحون من الخدمة ويجمعون عند الحاجة.
وكانت أعيانهم معروفة مضبوطة.
وكانت لهم هيئة تعرفهم وتضبطهم وتجمعهم عند الحاجة.
وكان لهم ضباط يتولون تنظيمهم.
وكان النظام محكماً لضبط تلك الكثرة ومنعها من الاضطراب والاختلال والفوضى.
تعرض علينا الآية هذه الصورة التاريخية والواقعية تعليما لنا، وتربية على الجندية المضبوطة المنظمة.
ولا شك أن الخلفاء الأولين قد عملوا على ذلك في تنظيم جيوشهم، إنَّ مثل هذه الآية كان له الأثر البليغ السريع في نفوس العرب لما أسلموا. فسرعان ما تحولوا إلى جنود منظمة مما لم يكن معروفا عندهم في الجاهلية.
وبقيت الآية على الدهر مذكرة لنا بأن النظام أساس كل مجتمع واجتماع، وأن القوة والكثرة وحدهما لا تغنيان بدون نظام، وأن النظام لا بد له من رجال أكفاء يقومون به ويحملون الجموع عليه، وأولئك هم الوازعون.
[طبيعة وشريعة]
في عالم الجماد وعالم النبات وعالم الحيوان نجد الطبيعة- بصنع الله- تستخلص الأعلى من الأدنى، والأقوى من الأضعف، فتجد الممتاز من أصل الخلق وبانتخاب الطبيعة في هذه العوالم الثلاث، كما تجد الذهب في المعدن وتجد الزهر والثمر في النجم (١) والشجر، وتجد الملكة من النمل والنحل مثلاً.
(١) النجم من النبات: ما لا ساق له (المعجم الوسيط: [ص:٩٠٥]).