يعبدون؛ ويصبر على أذاهم ولا يقابلهم بالمثل، ويستمر على دعوته غير مبال بهم، ولا حاسب شيئاً لكثرتهم، ولا لسطوتهم.
ومن كلامه مثل كلامهم في ألفاظه وفي تراكيبه، ثم هم يعجزون عن معارضته بمثل أقصر سورة منه.
ثم يشهدون الفرق بينه وبين كلام محمد نفسه؛ فهو إذا حدثهم بما اعتادوا من حديثه معهم، حتى إذا تلى عليهم القرآن جاءهم بما هو فوق كلامه وكلامهم، وما تقصر عن معارضته ألسنتهم.
بهرهم هذا، وهذا، وأخذ العناد بعقولهم، واستحوذت عليهم شياطينهم فحاروا فيما يقذفون به هذا الرسول وهذا الكتاب، فأخذوا يقولون عن الكتاب:
إنه إفك مفترى!! ورأوه أكبر مما كانوا يسمعون من كلام محمد فلم يكن ليأتي به وحده وهو فوق المعتاد من كلامه، فإذا هنالك أقوام يعينونه.
ومن هم الأقوام؟ وهو- بعد- في نفر قليل ممن آمن به، وهم هم في كثرتهم وتساندهم، وقد عجزوا عن الإتيان بشيء مثله، فالقليل أحرى بالعجز من الكثير.
ويقولون: إنه أساطير الأولين، وقد كان منهم من عرف شيئاً من أخبار الفرس وملوكهم، وكان يحدثهم بها، ويقصها عليهم، ويزعم لهم أنها مثل ما يأتي به محمد فقالوا- وقد علموا الفرق- هذه منها وهي مثلها!.
ولكن محمداً عرفوه أمياً لا يقرأ ولا يكتب، فكيف اتصل بهاته التي زعموها أساطير؟
فاخترعوا وسيلة لذلك أنه يكتبها له غيره ويمليها عليه وهو يحفظها!! ومن هو هذا الذي يكتب ويملي عليه، وهم قد عرفوا مدخل محمد ومخرجه ومغداه ومجلسه، وعرفوا بلدتهم ومن يساكنهم فكيف لا يرونه ولا مرة بين يدي هذا الكاتب المملي، ولا يشاهدونه يوما في صحبته؟!.
فاخترعوا لذلك أنه يمليها عليه في طرفي النهار في ظلام من الوقت، وسكون من الناس.
وقالوا في الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إنه مفتر، يستعين على افترائه بغيره، ويتظاهر باستقلاله، وينسب لله ما هو من حكايات الأوائل وأوضاعهم، فكيذب عليه- تعالى- لديهم.
رد الله عليهم كل ما قالوا فيهما:
بأنه ظلم وزور.
وأن ما يتلوه عليه هذا النبي الكريم، من ذلك الكتاب الحكيم، ليس إلاّ من خالق المخلوقات، العالم بأسرارها.
[أسلوب في البيان]
لقد جاءوا الظلم والزور في قولهم الأول وقولهم الثاني.