للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أفضل الأذكار]

[تمهيد]

(أ) حالة يعالج فيها شؤون الحياة من أمر نفسه وأهله، وما إلى رعايته من مصالحه، أو مصالح غيره، فيمارس فيها الأسباب، ويباشر فيها ما تقتضيه بشريته.

وهو في هذه الحالة متعبد مأجور ما جرى فيها على حدود الله، وقصد بها امتثال شرعه.

(ب) وحالة ينفرد فيها لربه ويخلص قلبه من هم ذلك كله، ويتوجه بكليته إلى خالقه: بالفكر والاعتبار ودوام المراقبة والإقبال.

وهذه الحالة الثانية هي أشرف وأفضل حالتيه، وهي أساس الاستقامة في الحالة الأولى وأصل الكمال فيها.

كانت هاتان الحالتان للنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كما كانتا لغيره. وقوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً»، إشارة إلى الحالة الأولى: التي يكون فيها قائما بمصالح الأمة، وناهضاً بأعباء الرسالة، ومباشرة الشؤون العامة والخاصة، ورآها دون الحالة الثانية: التي يكون [فيها].متفرغ القلب للرب.

وما كان ذلك الغين إلاّ الاشتغال بأمور الخلق في الحالة الأولى التي يحجب [فيها].عن كمال مشاهدة الحق التي في الحالة الثانية، فاستغفر الله تعالى منه.

وما كان استغفاره- عليه الصلاة والسلام- إلاّ لاشتغاله بكامل عن أكمل، وتوجهه للقيام بأمر عظيم عن مقام أعظم.

وقد تفطن الصحابة رضوان الله عليهم لهاتين الحالتين، وسألوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عنهما، وأفتاهم فيهما: فجاء في الصحيح أن حنظلة الأسيدي- وكان من كتّاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قال:

«لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا (١) الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ (٢)، فَنَسِينَا كَثِيرًا.


(١) عافسنا: قال الهرويّ وغيره: معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به؛ أي عالجنا معايشنا وحظوظنا.
(٢) الضيعات: جمع ضيعة، وهي معايش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة.

<<  <   >  >>