وأما الطرائق فإنها تختلف باختلاف الاختصاص في المفسرين والعلوم التي غلبت عليهم وعرفوا بها.
أ- فالمحدثون، يلتزمون التفسير بالمأثور، فإن اختلفت الرواية فمنهم من يروي المتناقضات ويدعك في حيرة، ومنهم من يدخل نظره وفكره في التعديل والترجيح كما يفعل أبو جعفر الطبري.
ب- ومقلدة المذاهب: يفسرون القرآن بقواعد مذاهبهم، ويحكمونها فيه. فإذا خالف نصه قاعدة من قواعدهم ردوه بالتأويل إليها. وهذا شر ما أصيب به هذا العلم، بل هو نوع من التعطيل، وباب من التحريف والتبديل؛ لأنه في حقيقة أمره وضع لكلام الله في الدرجة الثانية من كلام المخلوق، وفي منزلة الفرع من أصله يرد إليه إذا خالفه، وأعظم بها زلة وإن هذه الزلة هي الغالبة على صنيع المتشبثين بالمذاهب والمتعصبين لها، يتباعدون عن القرآن ما شاء لهم الهوى فإذا تناولوه فبهذه النظرة الخاطئة (١).
ج- والمتكلمون في "معاني القرآن" معظمهم من اللغويين والنحاة، فهم يتكلمون غالبا على الألفاظ المفردة، وأوجه الإعراب. فهم أقرب الكاتبين في الغريب أمثال الأصفهاني، وأبي ذر الهروي.
وإنما أطلقوا على كتبهم هذا الإسم (معاني القرآن) لأن بساطة الأسماء كانت هي الغالبة في زمنهم.
د- والإخباريون مفتونون بالقصص، فلا يقعون إلاّ على الآيات المتعلقة به. ويا ليتهم يحققون الحكمة من القصص، فيجلون العبر منها، ويستخرجون الدقائق من سنن الله في الأمم وجميع الكائنات. ولكنهم يسترسلون مع الرواية، وتستهويهم غرابة الأخبار، فينتهي بهم ذلك إلى الإسرائيليات الخاطئة الكاذبة، وقد أدخلوا بصنيعهم هذا على المسلمين ضررا عظيما، وعلى التاريخ فسادا كبيرا.
هـ- وأصحاب المذاهب العقلية إذا تعاطوا التفسير، لا يتوسعون إلاّ في الاستدلالات العقلية على إثبات الصفات أو نفيها، وعلى الغيبيات والنبوات وما يتعلق بها.
و والنحاة والباحثون في أسرار التراكيب لا يفيضون إلاّ في توجيه الأعاريب أو نكت البلاغة كما يفعل الزمخشري، وأبو حيان.
هكذا فعل القدماء والمحدثون بالقرآن: حكموا فيه نحلهم ومذاهبهم وصناعاتهم الغالبة عليهم، فأضاعوا هديه وبلاغه، وأبعدوا الأمة عنه؛ وصرفوها عن حكمه وأسراره.
(١) لأن الأولى هو العكس فنعرض ما يعن لنا على القرآن ليقول رأيه فيه لا أن نفسره على أن نقول ما يوافق آراءنا وأهواءنا. وطالما نادى ابن باديس والبشير بوجوب نبذ التقليد الأعمى، والتعصب الممقوت.