للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رحمته، كذلك كان عباده المذكورون أدلة عليه، ومعرفين به، بأقوالهم، وأفعالهم، وهديهم، وسلوكهم ومظاهر آثار رحمة الله عليهم.

فذكروا بعد ذلك تلك المخلوقات، وذكرت هي قبلهم؛ لأنها كانت أدلة لهم، والدليل سابق على المستدل، سبق المستفاد منه على المستفيد.

وفي تعريف القرآن لعباد الرحمن بعد تعريفه بالرحمن، تشريف كبير لهم، وتبكيت لأولئك المتجاهلين المتكبرين.

ووجه آخر في المناسبة، وهو أنه لما ذكر التذكر والشكر في الليل والنهار في الآية المتقدمة، ذكر صفات المتذكرين الشاكرين، وما أثمره لهم تذكرهم وشكرهم، ترغيباً في التذكر والشكر. وقولهم للجاهلين سلاماً من مقتضى هونهم ورفقهم، فلذلك قرن به وعطف عليه.

{عباد} جمع عبد بمعنى المملوك الذليل الخاضع، أو جمع عابد كصاحب وصحاب، وتاجر وتجار: بمعنى المطيع والقائم بما يرضي ربه، والأول هنا أظهر.

{الرحمن} المنعم الذي تتجدد نعمه في كل آن.

{يمشون على الأرض} يتنقلون عليها.

{هونًا} هان الأمر يهون هونًا بمعنى سهل. ومنه {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أي سهل. وشيء هين على وزن فعل أي سهل، ويقال هين بالتخفيف.

ومن صفات المؤمن أنه هين لين، من الهون بمعنى السهولة في أخلاقه ومعاملته.

وفي مسند أحمد عن ابن مسعود مرفوعاً: «حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس» (١).

وهو على ما فسرنا من السهولة في أخلاقه ومعاملته، وذلك هو الذي يقربه من الناس.

وفسر الهون في الآية بالحلم، والوقار، والسكينة، والتواضع والطاعة، وكلها ترجع إلى السهولة واللين.

وفسر بعدم الفساد في الأرض، وعدم التجبر والتكبر، لأنها كلها أضداد للسهولة واللين.

{خاطبهم} كلهم {الجاهلون} السفهاء القليلو الأدب السيئو الأخلاق. والجهل ضد العلم، ويطلق بمعنى السفه والطيش؛ لأنهما عنه ينشآن.

ومنه قول الشاعر.


(١) أخرجه أحمد في المسند (١/ ٤٤١٥). وأخرجه أيضاً الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع باب ٤٥ (حديث ول ٢٤) بلفظ: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار: على كل قريب هين سهل».

<<  <   >  >>