ومن سجلماسة إلى هذه البلاد ثلاثة أشهر، والتجار من سجلماسة يمشون إليها بتعب شديد، وبضايعهم الملح وخشب الصنوبر وخشب الأرز، وخرز الزجاج والأسورة والخواتيم منه، والحلق النحاسيّة.
وعبورهم على براري معطشة، فيها سمايم بماء فاسد لا يشبه الماء إلّا في الميعان، والسمايم تنشف المياه في الأسقية، فلا يبقى الماء معهم إلّا أيّاما قلائل.
فيحتالون بأن يستصحبوا معهم جمالا فارغة من الأحمال، ويعطشونها قبل ورودهم الماء الذي يدخلون منه في تلك البراري، ثمّ أوردوها على الماء نهلا وعللا حتى تمتلي أجوافها، ويشدون أفواهها كي لا تجتر فتبقى الرطوبة في أجوافها، فإذا نشف ما في أسقيتهم واحتاجوا إلى الماء، نحروا جملا جملا وترمّقوا بما في بطونها، وأسرعوا بالسير حتى يردوا مياها أخرى، وحملوا منها في أسقيتهم.
وهكذا ساروا بعناء شديد حتى قدموا الموضع الذي يحجز بينهم وبين أصحاب التبر، فعند ذلك ضربوا طبولا ليعلم القوم وصول القفل. يقال: انّهم في مكان وأسراب من الحرّ وعراة كالبهائم لا يعرفون الستر. وقيل: يلبسون شيئا من جلود الحيوان، فإذا علم التجار أنّهم سمعوا صوت الطبل أخرجوا ما معهم من البضائع المذكورة، فوضع كلّ تاجر بضاعته في جهة منفردة عن الأخرى وذهبوا وعادوا مرحلة فيأتي السودان بالتبر، ووضعوا بجنب كلّ متاع شيئا من التبر وانصرفوا. ثمّ يأتي التجار بعدهم فيأخذ كلّ واحد ما وجد بجنب بضاعته من التبر ويترك البضاعة، وضربوا بالطبول وانصرفوا، ولا يذكر أحد من هؤلاء التجّار أنّه رأى أحدا منهم.