للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يسألون ويناظرون فمن يصلح؟ قالوا: ليس لهم مثل القاضي أبي بكر، فإنّه يناظرهم ويغلبهم في كلّ ما يقولونه. فبعثه إلى قيصر الروم، فلمّا أراد الدخول عليه علم الرومي انّه لا يخدم كما هي عادة الرسل، فاتّخذ الباب الذي يدخل منه إلى قيصر بابا قصيرا، من أراد دخوله ينحني، فلمّا وصل القاضي إلى ذلك عرف الحال فأدار ظهره إلى الباب، ودخل راكعا ظهره إلى الباب، فتعجّب قيصر من فطنته ووقع في نفسه هيبته.

فلمّا أدّى الرسالة رأى عنده بعض الرهابين فقال له القاضي مستهزئا:

كيف أنت وكيف الأولاد؟ فقال له قيصر: إنّك لسان الأمّة ومقدم علماء هذه الملّلة! أما علمت أن هؤلاء متنزّهون عن الأهل والولد؟ فقال القاضي:

إنّكم لا تنزّهون اللّه عن الأهل والولد وتنزّهون هؤلاء، فهؤلاء أجلّ عندكم من اللّه تعالى! وقال بعض طاغية الروم للقاضي: أخبرني عن زوجة نبيّكم عائشة وما قيل فيها. قال القاضي: قيل في حقّ عائشة ما قيل في حقّ مريم بنت عمران، وعائشة ما ولدت ومريم ولدت، وقد برّأ اللّه تعالى كلّ واحدة منهما!

وحكى بعض الصالحين: انّه لمّا توفي القاضي أبو بكر رأيت في منامي جمعا عليهم ثياب بيض، ولهم وجوه حسنة وروائح طيّبة، قلت لهم: من أين جئتم؟ قالوا: من زيارة القاضي أبي بكر الأشعري. قلت: ما فعل اللّه به؟ قالوا: غفر اللّه له ورفع درجته. فمشيت إليه فرأيته وعليه ثياب حسنة في روضة خضرة نضرة، فهممت أن أسأله عن حاله فسمعته يقرأ بصوت عال: هاؤم اقرأوا كتابيه. اني ظننت اني ملاق حسابيه. فهو في عيشة راضية. في جنّة عالية.

[بغداد]

أمّ الدنيا وسيّدة البلاد وجنّة الأرض ومدينة السلام، وقبّة الإسلام ومجمع الرافدين، ومعدن الظرائف ومنشأ أرباب الغايات، هواؤها ألطف من كلّ هواء، وماؤها أعذب من كلّ ماء، وتربتها أطيب من كلّ تربة، ونسيمها

<<  <   >  >>