إني لا أجمعكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن بحديث حدّثنيه تميم الداري، فمنعني سروره القائلة. حدّثني أن نفرا من قومه أقبلوا في البحر فأصابتهم ريح عاصف ألجأتهم إلى جزيرة، فإذا هم بدابّة قالوا لها: ما أنت؟ قالت: أنا الجسّاسة! قالوا: أخبرينا الخبر. قالت: إن أردتم الخبر فعليكم بهذا الدير، فإن فيه رجلا بالأسواق إليكم. قال: أتيناه فقال: أنّى تبعتم؟ فأخبرناه فقال: ما فعلت بحيرة طبرية؟ قلنا: تدفق بين أجوافها. قال: ما فعلت نخل عمان؟ قلنا:
يجتنيها أهلها! قال: ما فعلت عين زغر؟ قلنا: يشرب منها أهلها. فقال:
لو يبست أنفذت من وثاقي فوطئت بقدمي كلّ منهل إلّا مكّة والمدينة.
[جزيرة الكنيسة]
في بحر المغرب؛ قال أبو حامد الأندلسي: على البحر الأسود من ناحية أندلس جبل عليه كنيسة منقورة من الصخر في الجبل، وعليها قبّة كبيرة، وعلى القبّة غراب مفرد لا يبرح من أعلى القبّة. وفي مقابلة الكنيسة مسجد يزوره الناس ويقولون: إن الدعاء فيه مستجاب. وقد شرط على القسيسين الذين يسكنون تلك الكنيسة ضيافة كلّ مسلم يقصد ذلك المسجد. فكلّما وصل أحد إلى ذلك المسجد أدخل الغراب رأسه في روزنة على تلك القبّة، ويصيح بعدد كلّ رجل صيحة، فيخرج الرهبان بالطعام إلى أهل المسجد ما يكفيهم. وتعرف تلك الكنيسة بكنيسة الغراب، وزعم القسيسون أنّهم ما زالوا يرون غرابا على تلك الكنيسة ولا يدرون من أين مأكله!
[جفار]
أرض بين فلسطين ومصر مسير سبعة أيّام، كلّها رمال سائلة نبض فيها قرى ومزارع ونخل كثير. وأهلها يعرفون آثار الأقدام في الرمل حتى يعرفون وطء الشباب من الشيخ، والرجل من المرأة، والبكر من الثيب، ومع كثرة