الذهن. من رآه من العلماء تحيّر فيه، شاع ذكره في الآفاق، فلمّا كان زمان أبي نصر الكندري وأمر بلعن المذاهب على رأس المنبر، فارق الإمام خراسان وذهب إلى الحجاز ودرّس بمكّة. فانقضت تلك المدّة سريعا بموت طغرلبك وقتل الكندري، فعاد إمام الحرمين إلى خراسان وبنى له نظام الملك مدرسة بنيسابور، فظهرت تلامذته وانتشرت تصانيفه. وكان في حلقته ثلاثمائة فقيه من الفحول، بلغوا مبلغ التدريس كأبي حامد الغزّالي، وصنّف نهاية المطلب عشرين مجلّدا. توفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
[جيلان]
غيضة بين قزوين وبحر الخزر صعبة المسلك لكثرة ما بها من الجبال والوهاد والأشجار والمياه، في كلّ بقعة ملك مستقلّ لا يطيع غيره، والحرب بينهم قائمة، والمطر كثير جدّا ربّما يستمرّ أربعين يوما لا ينقطع ليلا ولا نهارا، ويضجر الناس منه. وبيوتهم من الأخشاب والاخصاص وسط الأشجار، ولا حدّ لكثرة أشجارها الطوال لو كانت بأرض أخرى كان لها قيمة.
ونساؤها أحسن النساء صورة لا يستترن عن الرجال يخرجن مكشوفات الوجه والرأس والصدر.
وبها من الخيل الهماليج ما لا يوجد في غيرها من البلاد، ولم ير أحسن منها صورة ومشيا.
ومن عجائبها ما سمعت ولا صدقت حتى جرّبت، وهو ان المطر إذا دام عندهم ضجروا منه، فإن سمعوا بالليل صوت ابن آوى وعقبه نباح كلب يبشر بعضهم بعضا بصحو الغد، وعندهم من بنات آوى والكلاب كثير، وهذا شيء أشهر عندهم وجرّبت مرارا ما أخطأ شيء.
مأكولهم الرزّ الجيّد المولاني والسمك، ويؤدون زكاة الرز ولا يتركونه أصلا. ويقتنون دود الإبريسم، شغل رجالهم زراعة الرزّ وشغل نسائهم تربية