أقبلوا إلى النبي، ﷺ، فضلّوا الطريق ومكثوا ثلاثا لم يجدوا ماء وأيسوا من الحياة، إذ أقبل راكب على بعير له، وكان بعضهم ينشد:
ولمّا رأت أنّ الشّريعة همّها … وأنّ البياض من فرائصها دامي
تيمّمت العين التي عند ضارج … يفيء عليها الظّلّ عرمضها طامي
فقال الراكب: من قائل هذا الشعر؟ قالوا: امرؤ القيس. قال: واللّه ما كذب! هذا ضارج، وأشار إليه فحثّوا على ركبهم فإذا ماء عذب وعليه العرمض والظلّ يفيء عليه، فشربوا ريّهم وحملوا ما اكتفوا، فلمّا أتوا رسول اللّه قالوا: يا رسول اللّه أحيانا اللّه ببيتين من شعر امرئ القيس، وأنشدوا فقال رسول اللّه،ﷺ: ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها، منسيّ في الآخرة خامل فيها، يجيء يوم القيامة ومعه لواء الشعراء إلى النار.
وبها عين المشقّق. المشقّق: اسم واد بالحجاز، وكان به وشل يخرج منه ماء يروي الراكبين أو الثلاثة، فقال رسول اللّه، ﷺ، في غزوة تبوك:
من سبقنا الليلة إليه فلا يستقينّ منه شيئا حتى نأتيه. فسبقه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه، فلمّا أتاه النبيّ، ﵇، لم ير فيه شيئا، فقال: أولم أنهكم أن تستقوا منه شيئا؟ ثمّ نزل فوضع يده تحت الوشل، فجعل يصب في يده من الماء فنضحه به ومسحه بيده المباركة، ودعا بما شاء أن يدعو ربّه فانخرق من الماء ما سمع له حسّ كحسّ الصواعق، فشرب الناس واستقوا حاجتهم، فقال،ﷺ: لئن بقيتم أو بقي أحد منكم ليسمعنّ بهذا الوادي، وهو أخضر، ما بين يديه وما خلفه. وكان كما قال، ﷺ.
[الحجر]
ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام. قال الإصطخري: هي قرية من وادي القرى على يوم بين جبال، بها كانت منازل ثمود الذين قال اللّه تعالى