للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البصرة]

هي المدينة المشهورة التي بناها المسلمون؛ قال الشعبي: مصرت البصرة قبل الكوفة بسنة ونصف. وهي مدينة على قرب البحر كثيرة النخيل والأشجار، سبخة التربة ملحة الماء لأن المدّ يأتي من البحر، يمشي إلى ما فوق البصرة بثلاثة أيّام. وماء دجلة والفرات إذا انتهى إلى البصرة خالطه ماء البحر فيصير ملحا.

وأمّا نخيلها فكثير جدّا؛ قال الأصمعي: سمعت الرشيد يقول: نظرنا فإذا كلّ ذهب وفضّة على وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخل البصرة!

ومن عجائبها أمور ثلاثة: أحدها أن دجلة والفرات يجتمعان قرب البصرة، ويصيران نهرا عظيما يجري من ناحية الشمال إلى الجنوب، فهذا يسمّونه جزرا، ثمّ يرجع من الجنوب إلى الشمال ويسمّونه مدّا. يفعل ذلك في كلّ يوم وليلة مرّتين، فإذا جزر نقص نقصا كثيرا بحيث لو قيس لكان الذي ذهب مقدار ما بقي أو أكثر، وينتهي كلّ أوّل شهر في الزيادة إلى غايته، ويسقي المواضع العالية والأراضي القاصية ثمّ يشرع في الانتقاص، فهذا كلّ يوم وليلة انقص من الذي كان قبله إلى آخر الأسبوع الأوّل من الشهر، ثمّ يشرع في الزيادة فهذا كلّ يوم وليلة أكثر من الذي قبله إلى نصف الشهر، ثمّ يأخذ في النقص إلى آخر الأسبوع ثمّ في الزيادة إلى آخر الشهر، وهكذا أبدا لا ينحلّ هذا القانون ولا يتغيّر.

وثانيها انّك لو التمست ذبابة في جميع بيادرها وربطها المعوّذة وغيرها على نخلها في جميع معاصرها، ما وجدت إلّا في الفرط، ولو أن معصرة دون الغيط أو تمرة منبوذة دون المسناة لما استبنتها من كثرة الذبّان، وذكروا أن ذلك لطلسم.

وثالثها أن الغربان القواطع في الخريف تسوّد جميع نخل البصرة وأشجارها، حتى لا يرى غصن إلّا وعليه منها، ولم يوجد في جميع الدهر غراب ساقط على نخلة غير مصرومة، ولو بقي عليها عذق واحد. ومناقير الغربان كالمعاول،

<<  <   >  >>