قرية قديمة البوار من بناء الروم، بقرب الرقّة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي، وما يليها غيضة ملتفّة ذات بزور طولها نحو فرسخين، وليس في ذينك الفرسخين طريق إلى الماء إلّا طريق واحد مفروش بالحجارة، وسائر ذلك عزب وخلاف ملتفّة.
ولمّا سمع معاوية أن عليّا عبر الفرات بعث إلى ذلك الطريق أبا الأعور في عشرة آلاف ليمنع أصحاب عليّ من الماء، فبعث عليّ صعصعة بن صوحان فقال: إنّا سرنا إليكم لنعذر إليكم قبل القتال، فإن أتيتم كانت العاقبة أحبّ إلينا! وأراك قد حلت بيننا وبين الماء، فإن كان أعجب إليك أن ندع ما جئنا له تقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا. فقال معاوية لصعصعة:
ستأتيكم رايتي. فرجع إلى عليّ وأخبره بذلك، فغمّ عليّ غمّا شديدا لما أصاب الناس في يومهم وليلتهم من العطش.
فلمّا أصبحوا ذهب الأشعث بن قيس والأشتر بن الأشجع، ونحّيا أبا الأعور عن الشريعة حتى صارت في أيديهم، فأمر عليّ أن لا يمنع أحد من أهل الشام عن الماء، فكانوا يسقون منه ويختلط بعضهم ببعض، وكان ذلك سنة سبع وثلاثين غرّة صفر.
وكان عليّ في مائة وعشرين ألفا، ومعاوية في تسعين ألفا. وقتل من الجانبين سبعون ألفا: من أصحاب عليّ خمسة وعشرون ألفا، ومن أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفا. وفي قوم عليّ قتل خمسة وعشرون صحابيّا بدريّا منهم عمّار بن ياسر. وكانت مدّة المقام بصفّين مائة يوم وعشرة أيّام، وكانت الوقائع تسعين وقعة، وكانت الصحابة متوقّفين في هذا الأمر لأنّهم كانوا يرون عليّا وعلوّ شأنه، ويرون قميص عثمان على الرمح ومعاوية يقول: أريد دم ابن عمّي! إلى أن قتل عمّار بن ياسر والصحابة سمعوا أن النبيّ قال له: تقتلك