على العقبة نخلتان فاقطعوا إحداهما. فقطعوا. فلمّا اجتاز الرشيد بهما وجد إحداهما مقطوعة والأخرى قائمة وعليها مكتوب:
واعلما إن بقيتما أنّ نحسا … سوف يأتيكما فتفترقان!
فاغتمّ الرشيد لذلك وقال: لقد عزّ عليّ ان كنت نحسهما، ولو كنت سمعت هذا الشعر ما قطعت هذه النخلة ولو قتلني الدم! فاتّفق انّه لم يرجع من ذلك السفر.
[الحويزة]
كورة بين واسط والبصرة وخوزستان في وسط البطائح في غاية الرداءة.
كتب وفادار بن خودكام إلى صديق له كتابا من الحويزة: وما أدراك ما الحويزة! دار الهوان ومنزل الحرمان! ثمّ ما أدراك ما الحويزة! أرضها رغام وسماؤها قتام، وسحابها جهام وسمومها سهام، ومياهها سمام وطعامها حرام، وأهلها لئام، وخواصّها عوام، وعوامّها طغام! لا يروي ريعها ولا يرجى نفعها، ولا يمري ضرعها ولا يرعى زرعها، ولقد صدق اللّه قوله فيها: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات! وأنا منها بين هواء وبيء وماء رديء، وشباب غمر وشيخ غوي، يتّخذون الغمر أدبا والزور إلى أرزاقهم سببا، يأكلون الدنيا سلبا ويعدون الدين لهوا ولعبا ولو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا.
إذا سقى اللّه أرضا صوب غادية … فلا سقاها سوى النّيران تضطرم
ينسب إليها أبو العبّاس أحمد بن محمّد الحويزي. وكان من أعاجيب الزمان في الجمع بين الأمور المتضادة: كان ذا فضل وتمييز، وجور وظلم مع إظهار الزهد والتقشّف والتسبيح الدائم والصلاة الكثيرة. وإذا عزل اشتغل بمطالعة