الفئة الباغية! فعند ذلك ظهر للناس بغي معاوية، فبذل قوم عليّ جهدهم في القتال حتى ضيّقوا على قوم معاوية، فعند ذلك رفعوا المصاحف وقالوا: رضينا بكتاب اللّه! فامتنع قوم عليّ عن القتال. فقال عليّ: كلمة حقّ أريد به باطل! فما وافقوا، فقال عليّ عند ذلك: لا رأي لغير مطاع! فآل الأمر إلى الحكمين، والقصّة مشهورة.
صقلّيّة
جزيرة عظيمة من جزائر أهل المغرب مقابلة لا فريقية. وهي مثلثة الشكل بين كلّ زاوية والأخرى مسيرة سبعة أيّام. وهي حصينة كثيرة البلدان والقرى، كثيرة المواشي جدّا من الخيل والبغال والحمير والبقر والغنم والحيوانات الوحشيّة.
ومن فضلها أن ليس بها عاد بناب أو برثن أو إبرة، وبها معدن الذهب والفضّة والنحاس والرصاص والحديد، وكذلك معدن الشبّ والكحل والزاج ومعدن النوشاذر، ومعدن الزئبق. وبها المياه والأشجار والمزارع وأنواع الفواكه على اختلاف أنواعها، لا تنقطع شتاء ولا صيفا.
وأرضها تنبت الزعفران. وكانت قليلة العمارة خاملة الذكر إلى أن فتح المسلمون بلاد إفريقية، فهرب أهل إفريقية إليها وعمروها حتى فتحت في أيّام بني الأغلب في ولاية المأمون، فبقيت في يد المسلمين مدّة، ثمّ ظهر عليها الكفّار وهي الآن في أيديهم.
وبهذه الجزيرة جبال شامخة وعيون غزيرة وأنهار جارية ونزهة عجيبة، وقال ابن حمديس وهو يشتاق إليها:
ذكرت صقلّيّة والهوى … يهيّج للنّفس تذكارها
فإن كنت أخرجت من جنّة … فإني أحدّث أخبارها
ذكر أن دورها مسيرة ستّة عشر يوما، وقطرها مسيرة خمسة أيّام،